بما اختاره الراغب ومن حذا حذوه ، وأيضا كون السورة مكية والزكاة فرضت بالمدينة يؤيده لئلا يحتاج إلى التأويل بما مر فتدبر.
وأيا ما كان فالآية في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة ، وقول بعض زنادقة الأعاجم الذين حرموا ذوق العربية : ألا قيل مؤدون بدل (فاعِلُونَ) من محض الجهل والحماقة التي أعيت من يداويها فإنه لو فرض أن القرآن وحاشا لله سبحانه كلام النبي صلىاللهعليهوسلم فهو عليه الصلاة والسلام الذي مخضت له الفصاحة زبدها وأعطته البلاغة مقودها وكان صلىاللهعليهوسلم بين مصاقع نقاد لم يألوا جهدا في طلب طعن ليستريحوا به من طعن الصعاد ، وقد جاء نظير ذلك في كلام أمية بن أبي الصلت قال :
المطعمون الطعام في السنة |
|
الأزمة والفاعلون للزكوات |
ولم يرد عليه أحد من فصحاء العرب ولا أعابوه ، واختار الزمخشري في هذا حمل الزكاة على العين وتقدير المضاف دون الآية ، وعلل بجمعها وهو إنما يكون للعين دون المصدر ، وتعقب بأنه قد جاء كثير من المصادر مجموعة كالظنون والعلوم والحلوم والأشغال وغير ذلك ، وهي إذا اختلف فالأكثرون على جواز جمعها وقد اختلفت هاهنا بحسب متعلقاتها فإن إخراج النقد غير إخراج الحيوان وإخراج الحيوان غير إخراج النبات فليحفظ.
(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) وصف لهم بالعفة وهو وان استدعاه وصفهم بالإعراض عن اللغو إلا أنه جيء به اعتناء بشأنه ، ويجوز أن يقال : إن ما تقدم وإن استدعى وصفهم بأصل العفة لكن جيء بهذا لما فيه من الإيذان بأن قوتهم الشهوية داعية لهم إلى ما لا يخفى وإنهم حافظون لها عن استيفاء مقتضاها وبذلك يتحقق كمال العفة ، واللام للتقوية كما مر في نظيره ، و (عَلى) متعلق بحافظون لتضمينه معنى ممسكون على ما اختاره أبو حيان والإمساك يتعدى بعلى كما في قوله تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧] وذهب جمع إلى اعتبار معنى النفي المفهوم من الإمساك ليصح التفريغ فكأنه قيل حافظون فروجهم لا يرسلونها على أحد إلا على أزواجهم ، وقال بعضهم : لا يلزم ذلك الصحة العموم هنا فيصح التفريغ في الإيجاب ، وفي الكشف الوجه أن يقال : ما في الآية من قبيل حفظت على الصبي ماله إذا ضبطه مقصورا عليه لا يتعداه ، والأصل حافظون فروجهم على الأزواج لا تتعداهن ثم قيل غير حافظين إلا على الأزواج تأكيدا على تأكيد ، وعلى هذا تضمين معنى النفي الذي ذكره الزمخشري من السياق واستدعاء الاستثناء المفرغ ذلك ولم يؤخذ مما في الحفظ من معنى المنع والإمساك لأن حرف الاستعلاء يمنعه انتهى وفيه ما فيه.
ويا ليت شعري كيف عد حرف الاستعلاء مانعا عن ذلك مع أن كون الإمساك مما يتعدى به أمر شائع ، وقال الفراء وتبعه ابن مالك وغيره : إن (عَلى) هنا بمعنى من أي إلا من أزواجهم كما أن من بمعنى على في قوله تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٧] أي على القوم ، وقيل هي متعلقة بمحذوف وقع حالا من ضمير (حافِظُونَ) والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال أي حافظون لفروجهم في جميع الأحوال إلا حال كونهم والين وقوامين على أزواجهم من قولك : كان فلان على فلانة فمات عنها ، ومنه قولهم : فلانة تحت فلان ولذا سميت المرأة فراشا أو متعلقة بمحذوف يدل على (غَيْرُ مَلُومِينَ) كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم أي يلامون على كل مباشر إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه ، وكلا الوجهين ذكرهما الزمخشري.
واعترض بأنهما متكلفان ظاهرا فيهما العجمة وأورد على الأخير أن إثبات اللوم لهم في أثناء المدح غير مناسب مع أنه لا يختص بهم ، وكون ذلك على فرض عصيانهم وهو مثل قوله تعالى : (فَمَنِ ابْتَغى) إلخ لا يدفعه كما توهم ؛