والإتيان به مفردا لأنه مصدر في الأصل أو للاتحاد في المراد ، وعن الحسن أن المراد بالآيات التكاليف الدينية وبالسلطان المبين المعجز ، وقال أبو حيان : يجوز أن يراد بالآيات نفس المعجزات وبالسلطان المبين كيفية دلالتها لأنها وإن شاركت آيات الأنبياء عليهمالسلام في أصل الدلالة على الصدق فقد فارقتها في قوة دلالتها على ذلك وهو كما ترى ، وممكن أن يقال : المراد بالسلطان تسلط موسى عليهالسلام في المحاورة والاستدلال على الصانع عزوجل وقوة الجأش والإقدام («إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي أشراف قومه خصوا بالذكر لأن إرسال بني إسرائيل وهو مما أرسلا عليهماالسلام لأجله منوط بآرائهم ، ويمكن أن يراد بالملإ قومه فقد جاء استعماله بمعنى الجماعة مطلقا (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الانقياد لما أمروا به ودعوا إليه من الإيمان وإرسال بني إسرائيل وترك تعذيبهم ، ليست الدعوة مختصة بإرسال بني إسرائيل وإطلاقهم من الأسر ففي سورة [النازعات : ١٧ ـ ١٩](اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) وأيضا فيما نحن فيه ما يدل على عدم الاختصاص.
(وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) متكبرين أو متطاولين بالبغي والظلم ؛ والمراد كانوا قوما عادتهم العلو.
(فَقالُوا) عطف على (استكبروا) وما بينهما اعتراض مقرر للاستكبار ، والمراد فقالوا فيما بينهم بطريق المناصحة (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) ثنى البشر لأنه يطلق على الواحد كقوله تعالى : (بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧] ويطلق على الجمع كما في قوله تعالى : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) [مريم : ٢٦] ولم يثن مثل نظرا إلى كونه في حكم المصدر ، ولو أفرد البشر لصح لأنه اسم جنس يطلق على الواحد وغيره ، وكذا لو ثنى المثل فإنه جاء مثنى في قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) ومجموعا في قوله سبحانه : (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) نظرا إلى أنه في تأويل الوصف إلا أن المرجح لتثنيته الأول وإفراده الثاني الإشارة بالأول إلى قلتهما وانفرادهما عن قومهما مع كثرة الملأ واجتماعهم وبالثاني إلى شدة تماثلهم حتى كأنهم مع البشرين شيء واحد وهو أدل على ما عنوه.
وهذه القصص كما ترى تدل على أن مدار شبه المنكرين للنبوة قياس حال الأنبياء عليهمالسلام على أحوالهم بناء على جهلهم بتفاصيل شئون الحقيقة البشرية وتباين طبقات أفرادها في مراقي الكمال ومهاوي النقصان بحيث يكون بعضها في أعلى عليين وهم المختصون بالنفوس الزكية المؤيدون بالقوة القدسية المتعلقون لصفاء جواهرهم بكلا العالمين اللطيف والكثيف فيتلقون من جانب ويلقون إلى جانب ولا يعوقهم التعلق بمصالح الخلق عن التبتل إلى حضرة الحق وبعضها في أسفل سافلين وهم كأولئك الجهلة الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
ومن العجب أنهم لم يرضوا للنبوة ببشر ، وقد رضي أكثرهم للإلهية بحجر فقاتلهم الله تعالى ما أجهلهم ، والهمزة للإنكار أي لا نؤمن لبشرين مثلنا (وَقَوْمُهُما) يعنون سائر بني إسرائيل (لَنا عابِدُونَ) خادمون منقادون لنا كالعبيد ففي (عابِدُونَ) استعارة تبعية نظرا إلى متعارف اللغة.
ونقل الخفاجي عن الراغب أنه صرح بأن العابد بمعنى الخادم حقيقة ، وقال أبو عبيدة : العرب تسمي كل من دان للملك عابدا ، وجوز الزمخشري الحمل على حقيقة العبادة فإن فرعون كان يدعي الإلهية فادعى للناس العبادة على الحقيقة.
واعترض بأن الظاهر أن هذا القول من الملأ وهو يأبى ذلك ، وكونهم قالوه على لسان فرعون كما يقول خواص ملك : نحن ذوو رعية كثيرة وملك طويل عريض ومرادهم أن ملكنا ذو رعية إلخ خلاف الظاهر ، وقيل عليه أيضا على تقدير أن يكون القائل فرعون : لا يلزم من ادعائه الإلهية عبادة بني إسرائيل له أو كونه يعتقد أو يدعي عبادتهم على