إلها إذ الولد يكون من جنس الوالد وجوهره وفيه بحث (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) مبالغة في تنزيهه تعالى عن الولد والشريك ، وما موصولة وجوز أن تكون مصدرية. وقرئ «تصفون» بتاء الخطاب و (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي كل غيب وشهادة ، وجر (عالِمِ) على أنه بدل من الاسم الجليل أو صفة له لأنه أريد به الثبوت والاستمرار فيتعرف بالإضافة.
وقرأ جماعة من السبعة ، وغيرهم برفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم ، والجر أجود عند الأخفش والرفع أبرع عند ابن عطية ، وأيا ما كان فهو على ما قيل إشارة إلى دليل آخر على انتفاء الشريك بناء على توافق المسلمين والمشركين في تفرده تعالى بذلك ، وفي الكشف أن في قوله سبحانه : (عالِمِ) إلخ إشارة إلى برهان آخر راجع إلى إثبات العلو أو لزوم الجهل الذي هو نقص وضد العلو لأن المتعددين لا سبيل لهما إلى أن يعلم كل واحد حقيقة الآخر كعلم ذلك الآخر بنفسه بالضرورة وهو نوع جهل وقصور ، ثم علمه به يكون انفعاليا تابعا لوجود المعلوم فيكون في إحدى صفات الكمال ـ أعني العلم ـ مفتقرا وهو يؤذن بالنقصان والإمكان (فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تفريع على كونه تعالى عالما بذلك فهو كالنتيجة لما أشار إليه من الدليل.
وقال ابن عطية : الفاء عاطفة كأنه قيل علم الغيب والشهادة فتعالى كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته على معنى شجع فعظمت ، ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى إلخ على أنه إخبار مستأنف (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي) أي إن كان لا بد من أن تريني لأن ما والنون زيدتا للتأكيد (ما يُوعَدُونَ) أي الذي يوعدونه من العذاب الدنيوي المستأصل وأما العذاب الأخروي فلا يناسب المقام (رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي قرينا لهم فيما هم فيه من العذاب ، ووضع الظاهر موضع الضمير للإشارة إلى استحقاقهم للعذاب ، وجاء الدعاء قبل الشرط وقبل الجزاء مبالغة في الابتهال والتضرع ، واختير لفظ الرب لما فيه من الإيذان بأنه سبحانه المالك الناظر في مصالح العبد ، وفي أمره صلىاللهعليهوسلم أن يدعو بذلك مع أنه عليه الصلاة والسلام في حرز عظيم من أن يجعل قرينا لهم إيذان بكمال فظاعة العذاب الموعود وكونه بحيث يجب أن يستعيذ منه من لا يكاد يمكن أن يحيق به. وهو متضمن رد إنكارهم العذاب واستعجالهم به على طريقة الاستهزاء.
وقيل أمر صلىاللهعليهوسلم بذلك هضما لنفسه وإظهارا لكمال العبودية ، وقيل لأن شؤم الكفرة قد يحيق بمن سواهم كقوله تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] وروي عن الحسن أنه جل شأنه أخبر نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن له في أمته (١) نقمة ولم يطلعه على وقتها أهو في حياته أم بعدها فأمره بهذا الدعاء.
وقرأ الضحاك وأبو عمران الجوني «ترئني» بالهمز بدل الياء وهو كما في البحر إبدال ضعيف.
(وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ) من العذاب (لَقادِرُونَ) ولكنا لا نفعل بل نؤخره عنهم لعلمنا بأن بعضهم أو بعض أعقابهم سيؤمنون أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم ، وقيل قد أراه سبحانه ذلك وهو ما أصابهم يوم بدر أو فتح مكة ، قال شيخ الإسلام : ولا يخفى بعده فإن المتبادر أن يكون ما يستحقونه من العذاب الموعود عذابا هائلا مستأصلا لا يظهر على يديه صلىاللهعليهوسلم للحكمة الداعية إليه.
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي ادفع بالحسنة التي هي أحسن الحسنات التي يدفع بها (السَّيِّئَةَ) بأن تحسن إلى المسيء في مقابلتها ما استطعت ، ودون هذا في الحسن أن يحسن إليه في الجملة ، ودونه أن يصفح عن إساءته
__________________
(١) أي أمة الدعوة ا ه منه.