الحاكم والقهستاني والفتح أن الوطء في الشراء الفاسد يسقط الحد عن القاذف وحمله بعضهم على ما ذكرنا ، وقال بعض الأجلة : كما يشترط العفة عن الزنا يشترط السلامة عن تهمته ويحترز به عن قذف ذات ولد ليس له أب معروف فإنهم ذكروا أنه لا يحد قاذفها لمكان التهمة ، وقد ذكر ذلك الحصكفي في باب اللعان من شرح تنوير الأبصار ، ولا تقاس اللواطة على الزنا فلو قذف بها لا يحد القاذف خلافا لأبي يوسف ومحمد وقد اختلفا في أحكام كثيرة ذكرها زين الدين في بحره ، وأما اعتبار الحرية فلأنها يطلق عليها اسم الإحصان قال الله تعالى : (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) فإن المراد بالمحصنات فيه الحرائر فالرقيق ليس محصنا بهذا المعنى وكونه محصنا بمعنى آخر كالإسلام وغيره فيكون محصنا من وجه دون وجه وذلك شبهة في إحصانه فوجب درء الحد عن قاذفه فلا يحد حتى يكون محصنا بجميع المفهومات التي يطلق عليها لفظ الإحصان إلا ما أجمع على عدم اعتباره في تحقق الإحصان وهو كون المقذوفة زوجة أو كون المقذوف زوجا فإنه جاء بمعناه في قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٢٤] أي المتزوجات ولا يعتبر في إحصان القذف بل في إحصان الرجم ، ثم لا شك في أن الإحصان أطلق بمعنى الحرية كما سمعت وبمعنى الإسلام في قوله عزوجل : (فَإِذا أُحْصِنَ) [النساء : ٢٥] قال ابن مسعود : أسلمن وهذا يكفي في إثبات اعتبار الإسلام في الإحصان ، وعن داود عدم اشتراط الحرية وأنه يحد قاذف العبد ؛ وأما اعتبار العقل والبلوغ ففيه إجماع إلا ما روي عن أحمد عليه الرحمة من أن الصبي الذي يجامع مثله محصن فيحد قاذفه ، والأصح عنه موافقة الجماعة ، وقول مالك في الصبية التي يجامع مثلها يحد قاذفها خصوصا إذا كانت مراهقة فإن الحد لعلة إلحاق العار ومثلها يلحقه العار ، وكذا قوله وقول الليث : إنه يحد قاذف المجنون لذلك ؛ والجماعة يمنعون كون الصبي والمجنون يلحقهما العار بنسبتهما إلى الزنا بل ربما يضحك من ناسبهما إليه إما لعدم صحة قصده منهما وإما لعدم مخاطبتهما بالمحرمات وما أشبه ذلك ، ولو فرضنا لحوق عار بالمراهق فليس ذلك على الكمال فيندرئ الحد ، ومثل الصبي والمجنون في أنه ربما يضحك من نسبة الزنا إليهما الرتقاء والمجبوب بل هما أولى بذلك لعدم تصوره فيهما ولذا لا يحد بقذفهما ، وإلا ما روي عن سعيد وابن أبي ليلى من أنه يحد بقذف الذمية إذا كان لها ولد مسلم ، وكذا ما قيل : إنه يحد بقذفها إذا كانت تحت مسلم ، ثم إن الإسلام والحرية إذا لم يكونا موجودين وقت الزنا المقذوف به بل كانا موجودين وقت القذف لا يفيدان شيئا فلو قذف امرأة مسلمة زنت في نصرانيتها أو رجلا مسلما زنى في نصرانيته وقال : زنيت وأنت كافرة أو زنيت وأنت كافر أو قذف معتقا زنى وهو عبد أو معتقة زنت وهي أمة وقال : زنيت أو زنيت وأنت عبد أو أنت أمة لا يحد ، وكذا المكاتب والمكاتبة والكافر الحربي إذا زنى في دار الحرب ثم أسلم ، ويفهم من كلامهم أن البلوغ والعقل كالإسلام والحرية في ذلك ، فقد صرحوا فيما إذا قال : زنيت وأنت صغيرة أو زنيت وأنت مجنون بأنه لا يحد ، وكان المدار في درء الحد الصدق في كل ذلك ، ومن هنا قال في المبسوط : إن الموطوءة إذا كانت مكرهة يسقط إحصانها ولا يحد قاذفها كما يسقط إحصان المكره الواطئ ولا يحد قاذفه لأن الإكراه يسقط الإثم ولا يخرج الفعل به من أن يكون زنى ، لكن ذكر فيه أن من قذف زانيا لا حد عليه سواء قذفه بذلك الزنا بعينه أو بزنى آخر من جنسه أو أبهم في حالة القذف ، ووجه أن الله تعالى أوجب الحد على من رمى المتصف بالإحصان وبالزنا لا يبقى إحصان فلا يثبت الحد خلافا لإبراهيم وابن أبي ليلى ، نعم إذا كان القذف بزنا تاب عنه المقذوف يعزر القاذف ، وهذا يقتضي أنه لا يحتاج سقوط الحد في المسائل السابقة إلى التقييد فليتأمل ، ولو تزوج مجوسي بأمه أو بنته ثم أسلم ففسخ النكاح فقذفه مسلم في حال إسلامه يحد عند أبي حنيفة عليه الرحمة بناء على ما يراه من أن أنكحة المجوس لها حكم الصحة.