زرعة وعبد الله بن مسلم «بأربعة» بالتنوين فشهداء بدل أو صفة ، وقيل حال أو تمييز وليس بذاك ، وهي قراءة فصيحة ورجحها ابن جني على قراءة الجمهور بناء على إطلاق قولهم : إنه إذا اجتمع اسم العدد والصفة كان الاتباع أجود من الإضافة.
وتعقب بأن ذاك إذا لم تجر الصفة مجرى الأسماء في مباشرتها العوامل وأما إذا جرت ذلك المجرى فحكمها حكمها في العدد وغيره غاية ما في الباب أنه يجوز فيها الإبدال بعد العدد نظرا إلى أنها غير متمحضة الاسمية و (شُهَداءَ) من ذلك القبيل. فأربعة شهداء. بالإضافة أفصح من «أربعة شهداء» بالتنوين والاتباع. وقال ابن عطية : وسيبويه يرى أن تنوين العدد وترك إضافته إنما يجوز في الشعر انتهى ، وكأنه أراد الطعن في هذه القراءة على هذا القول ، وفيه أن سيبويه إنما يرى ذلك في العدد الذي بعده اسم نحو ثلاثة رجال دون الذي بعده صفة فإنه على التفصيل الذي ذكر كما قال أبو حيان.
وقوله سبحانه : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) أي مدة حياتهم كما هو الظاهر عطف على (فَاجْلِدُوا) داخل في حكمه تتمة له كأنه قيل : فاجلدوهم وردوا شهادتهم أي فاجمعوا لهم الجلد والرد ، ورد شهادتهم عند الإمام أبي حنيفة عليه الرحمة معلق باستيفاء الجلد فلو شهدوا قبل الجلد أو قبل تمام استيفائه قبلت شهادتهم ، وقيل : ترد إذا ضربوا سوطا ، وقيل : ترد إذا أقيم عليهم الأكثر ، ومن الغريب ما روى ابن الهمام عن مالك أنه مع قوله : إن للابن أن يطالب بحد والده إذا قذف أمه قال : إنه إذا حد الأب سقطت عدالة الابن لمباشرته سبب عقوبة أبيه أي وكذا عدالة الأب وهذا ظاهر ، وقوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) كلام مستأنف مبين لسوء حالهم في حكم الله عزوجل ، وما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الشر والفساد أي أولئك هم المحكوم عليهم بالفسق والخروج عن الطاعة والتجاوز عن الحدود الكاملون فيه كأنهم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم لا غيرهم من الفسقة ، ويعلم مما أشرنا إليه أنهم فسقة عند الشرع الحاكم بالظاهر لا أنهم كذلك في نفس الأمر وعند الله عزوجل العالم بالسرائر لاحتمال صدقهم مع عجزهم عن الإتيان بالشهداء كما لا يخفى ، وصرح بهذا بعض المفسرين.
وجوز أن يكون المراد الإخبار عن فسقهم عند الله تعالى وفي علمه ، ووجهه إذا كانوا كاذبين ظاهر ، وأما وجهه إذا كانوا صادقين فهو أنهم هتكوا ستر المؤمنين وأوقعوا السامع في الشك من غير مصلحة دينية بذلك والعرض مما أمر الله تعالى بصونه إذا لم يتعلق بهتكه مصلحة فكانوا فسقة غير ممتثلين أمره عزوجل ، ولا يخفى حسن حمل الآية على هذا المعنى وهو أوفق لما ذكره الحصكفي في شرح الملتقى نقلا عن النجم الغزي من أن الرمي بالزنا من الكبائر وإن كان الرامي صادقا ولا شهود له عليه ولو من الوالد لولده وإن لم يحد به بل يعزر ولو غير محصن ؛ وشرط الفقهاء الإحصان إنما هو لوجوب الحد لا لكونه كبيرة ، وقد روى الطبراني عن واثلة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار» وهذه مسألة مختلف فيها ، ففي شرح جمع الجوامع للعلامة المحلي قال الحليمي : قذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر لأن الإيذاء في قذفهن دونه الحرة الكبيرة المستترة ، وقال ابن عبد السلام : قذف المحصن في خلوة بحيث لا يسمعه إلا الله تعالى والحفظة ليس بكبيرة موجبة للحد لانتفاء المفسدة أما قذف الرجل زوجته إذا أتت بولد يعلم أنه ليس منه فمباح ، وكذا جرح الراوي والشاهد بالزنا إذا علم بل هو واجب انتهى ، وظاهر ما نقل عن ابن عبد السلام ففي إيجاب الحد لا نفي كونه كبيرة أيضا لشيوع توجه النفي إلى القيد في مثله ، وإن قلنا : إنه هنا لنفي القيد والمقيد فهو ظاهر كما قال الزركشي فيما إذا كان صادقا لا فيما إذا كان كاذبا لجرأته على الله تعالى جل شأنه فهو كبيرة وإن كان في الخلوة ، ولعل ما ذكره من وجوب جرح الشاهد بالزنا