الجملتين بالأخرى وهو ظاهر وحيث أمكن أن تكون الواو للعطف أو للابتداء كما في باقي الأقسام السبعة فالواجب الوقف ، وذكر حجج المذاهب بما لها وعليها في الأحكام ، وفي التلويح وغيره أنه لا خلاف في جواز رجوع الاستثناء إلى كل وإنما الخلاف في الأظهر وفيه نظر فإن بعض حجج القائلين برجوعه إلى الجملة الأخيرة قد استدل بما يدل على عدم جواز رجوعه للجميع ، قال القلانسي : إن نصب ما بعد الاستثناء في الإثبات إنما كان بالفعل المتقدم بإعانة إلا على ما ذهب إليه أكابر البصريين فلو قيل برجوعه إلى الجميع لكان ما بعد إلا منتصبا بالأفعال المقدرة في كل جملة ويلزم منه اجتماع عاملين على معمول واحد وذلك لا يجوز لأنه بتقدير مضادة أحدهما للآخر في العمل يلزم أن يكون المعمول الواحد مرفوعا منصوبا معا وهو محال ولأنه إن كان كل منهما مستقلا في العمل لزم عدم استقلاله ضرورة أنه لا معنى لكون كل مستقلا إلا أن الحكم ثبت به دون غيره وإن لم يكن كل منهما مستقلا لزم خلاف المفروض ، وإن كان المستقل البعض دون البعض لزم الترجيح بلا مرجح ، ووجه دلالته وإن بحث فيه على عدم جواز رجوعه للجميع ظاهر وكما اختلف الأصوليون في ذلك اختلف النحاة فيه ففي شرح اللمع أنه يختص بالأخيرة وأن تعليقه بالجميع خطأ للزوم تعدد العامل في معمول واحد إلا على القول بأن العامل إلا أو تمام الكلام.
وقال أبو حيان : لم أر من تكلم على هذه المسألة من النحاة غير المهاباذي وابن مالك فاختار ابن مالك عود الاستثناء إلى الجمل كلها كالشرط ، واختار المهاباذي عوده إلى الجملة الأخيرة ، وقال الولي بن العراقي : لم يطلق ابن مالك عوده إلى الجمل كلها بل استثنى من ذلك ما إذا اختلف العامل والمعمول كقولك : اكس الفقراء وأطعم أبناء السبيل إلا من كان مبتدعا فقال في هذه الصورة : إنه يعود إلى الأخيرة خاصة ، ونقل عن أبي علي الفارسي القول برجوعه إلى الأخيرة مطلقا وهذا كقول الحنفية في المشهور ، والحق أنهم إنما يقولون برجوعه إلى الأخيرة فقط إذا تجرد الكلام عن دليل رجوعه إلى الكل أما إذا وجد الدليل عمل به وذلك كما في قوله تعالى في المحاربين : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) إلى قوله سبحانه : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) فإن قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٣٣ ، ٣٤] يقتضي رجوعه إلى الكل فإنه لو عاد إلى الأخيرة أعني قوله سبحانه : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) لم يبق للتقييد بذلك فائدة للعلم لأن التوبة تسقط العذاب فليس فائدة «من قبل» إلخ إلا سقوط الحد وعلى مثل ذلك ينبغي حمل قول الشافعية بأن يقال : إنهم أرادوا رجوع الاستثناء إلى الكل إذا لم يكن دليل يقتضي رجوعه إلى الأخيرة.
وذكر بعض أجلة المحققين أن الحنفية إنما قالوا برجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة هنا لأن الجملتين الأوليين وردتا جزاء لأنهما أخرجتا بلفظ الطلب مخاطبا بهما الأئمة ولا يضر اختلافهما أمرا ونهيا والجملة الأخيرة مستأنفة بصيغة الإخبار دفعا لتوهم استبعاد كون القذف سببا لوجوب العقوبة التي تندرئ بالشبهة وهي قائمة هنا لأن القذف خبر يحتمل الصدق وربما يكون حسبة ، ووجه الدفع أنهم فسقوا بهتك ستر العفة بلا فائدة حيث عجزوا عن الإثبات فلذا استحقوا العقوبة وحيث كانت مستأنفة توجه الاستثناء إليها.
ونقل عن الشافعي أنه جعل (وَلا تَقْبَلُوا) استئنافا منقطعا عن الجملة السابقة وأبى أن يكون من تتمة الحد لأنه لا مناسبة بين الجلد وعدم قبول الشهادة وجعل الاستثناء مصروفا إليه بجعل من تاب مستثنى من ضمير (لَهُمْ) ويكون قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) اعتراضا جاريا مجرى التعليل لعدم قبول الشهادة غير منقطع عما قبله ولهذا جاز توسطه بين المستثنى والمستثنى منه ولا تعلق للاستثناء به ، وآثر ذلك ابن الحاجب في أماليه حيث قال : إن الاستثناء لا يرجع إلى الكل أما الجلد فبالاتفاق ، وأما قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) فلأنه إنما جيء به لتقرير