عليهم بالإطلاق مخرج عن حكم الانطلاق كما في قولنا : انطلق القوم إلا زيدا وكذا الكلام في الآية.
وأجيب بأن الفاسقين هاهنا إما أن يكون بمعنى الفاسق على قصد الدوام والثبات أو بمعنى من صدر عنه الفسق في الزمان الماضي أو من قام به الفسق في الجملة ماضيا كان أو حالا فإن أريد الأول فالتائب ليس بفاسق ضرورة قضاء الشارع بأن التائب ليس بفاسق حقيقة ، ومن شرط الاستثناء المتصل أن يكون الحكم متناولا للمستثنى على تقدير السكوت عن الاستثناء وهذا مراد فخر الإسلام بعدم تناول الفاسقين للتائبين بخلاف منطلقون فإنه يدخل فيه زيد على تقدير عدم الاستثناء وإن أريد الثاني أو الثالث فلا صحة لإخراج التائب عن الفاسقين لأنه فاسق بمعنى صدور الفسق عنه في الجملة ضرورة أنه قاذف والقذف فسق.
ولا يخفى أن منع عدم دخول التائبين في الفاسقين بالمعنى الذي ذكرنا ومنع عدم صحة إخراجهم عنهم بالمعنى الآخر غير موجه وأن الاستدلال على دخولهم بأنه قد حكم بالفسق على (أُولئِكَ) المشار به إلى (الَّذِينَ يَرْمُونَ) وهو عام ليس بصحيح للإجماع القاطع على أنه لا فسق مع التوبة ، وكفى به مخصصا ا ه. وفيه أن الإجماع لا يكون مخصصا فيما نحن فيه لكونه متراخيا عن النص ضرورة أنه لا إجماع إلا بعد زمان النبي صلىاللهعليهوسلم فالحكم بالفسق على (أُولئِكَ) المشار به إلى (الَّذِينَ يَرْمُونَ) وهو عام فيتم الاستدلال.
وأجيب عن هذا بأن المراد بالتخصيص قصر العام على بعض ما يتناوله اللفظ لا التخصيص المصطلح وهو كما ترى وفي قوله : ومن شرط الاستثناء المتصل إلخ بحث يعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا ، وقال العلامة : الظاهر كون الاستثناء متصلا أي أولئك الذين يرمون محكوم عليهم بالفسق إلا التائبين منهم فإنه غير محكوم عليهم بالفسق لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له وكأنه أراد أنهم غير محكوم عليهم بالفسق الدائم وهو المحكوم به عليهم في الصدر بقرينة الجملة الاسمية.
وذكر بعض الأفاضل في توجيه كونه متصلا أن دخول المستثنى في المستثنى منه إنما يكون باعتبار تناول المستثنى منه وشموله إياه لا بحسب ثبوته له في الواقع كيف ولو ثبت الحكم له صح استثناؤه فهاهنا (الَّذِينَ يَرْمُونَ) شامل للتائبين منهم فلا يضر في صحة الاستثناء أنهم ليسوا بفاسقين وأن التوبة تنافي ثبوت الفسق كما إذا لم يدخل زيد في الانطلاق فإنه يصح استثناؤه باعتبار دخوله في القوم مثل انطلق القوم إلا زيدا.
والحاصل أنه يكفي في الاستثناء دخول المستثنى في حكم المستثنى منه بحسب دلالة اللفظ وإن لم يدخل فيه بحسب دليل خارج كما يقال : خلق الله تعالى كل شيء إلا ذاته سبحانه وصفاته العلى ، قال العلامة : ويمكن الجواب عن هذا بأنه لا فائدة للاستثناء المتصل على هذا التقدير لأن خروج المستثنى من حكم المستثنى منه معلوم فيحمل على المنقطع المفيد لفائدة جديدة وهذا مراد فخر الإسلام بعدم دخول التائبين في صدر الكلام وبحث فيه بأن عدم التناول الشرعي مستفاد من الاستثناء المذكور في الآية والحديث أعني التائب من الذنب كمن لا ذنب له مبين له فلا وجه لمنع وجود الفائدة وبأن كون خروج المستثنى من حكم المستثنى منه معلوما هنا غير معلوم لمكان الخلاف في اشتراط بقاء الفعل وبأن الفائدة الجديدة في المنقطع التي يعرى عنها المتصل غير ظاهرة ، وقال أيضا : لا يقال لم لا يجوز أن يكون المستثنى منه هو الفاسقون ويكون الاستثناء لإخراج التائبين منهم في الحكم الذي هو الحمل على أولئك القاذفين والإثبات له فإن الاستثناء كما يجوز من المحكوم به يجوز من غيره كما يقال : كرام أهل بلدتنا أغنياؤهم إلا زيدا بمعنى أن زيدا وإن كان غنيا لكنه خارج عن الحمل على الكرام لأنا نقول : فحينئذ يلزم أن يكون التائبون من الفاسقين ولا يكونوا من القاذفين والأمر بالعكس ، وقد يقال : إن الاستثناء منقطع على معنى أنهم