وفي رواية أنه قال : يا رسول الله قد قال الناس وقد حل لك طلاقها ، وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه ضرب بريرة وقال : اصدقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وليس في ذلك شيء مما يصلح مستندا لذلك الأموي الناصبي ، وجل غرض الأمير مما ذكر أن يسري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما هو فيه من الغم غاية ما في الباب أنه لم يسلك في ذلك مسلك أسامة وهو أمر غير متعين ، ومن دقق النظر عرف مغزى الأمير كرم الله تعالى وجهه وأنه بعيد عما يزعمه النواصب بعد ما بين المشرق والمغرب فليتدبر (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) التفات إلى خطاب الخائضين ما عدا من تولى كبره منهم ، واستظهر أبو حيان كون الخطاب للمؤمنين دونه ، واختير الخطاب لتشديد ما في لو لا التحضيضية من التوبيخ ، ولتأكيد التوبيخ عدل إلى الغيبة في قوله تعالى : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) لكن لا بطريق الإعراض عن المخاطبين وحكاية جناياتهم لغيرهم بل بالتوسل بذلك إلى وصفهم بما يوجب الإتيان بالمحضض عليه ويقتضيه اقتضاء تاما ويزجرهم عن ضده زجرا بليغا وهو الإيمان وكونه مما يحملهم على إحسان الظن ويكفهم عن إساءته بأنفسهم أي بأبناء جنسهم وأهل ملتهم النازلين منزلة أنفسهم كقوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) [الحجرات : ١١] وقوله سبحانه : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٨٥] ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي ظن بعض المؤمنين والمؤمنات بأنفس بعضهم الآخر وإن قيل بجوازه مما لا ريب فيه فإخلالهم بموجب ذلك الوصف أقبح وأشنع والتوبيخ عليه أدخل مع ما فيه من التوسل به إلى توبيخ الخائضات والمشهور منهن حمنة ؛ ثم إن كان المراد بالإيمان الإيمان الحقيقي فإيجابه لما ذكر واضح والتوبيخ خاص بالمتصفين به ، وإن كان مطلق الإيمان الشامل لما يظهره المنافقون أيضا فإيجابه له من حيث إنهم كانوا يحترزون عن إظهار ما ينافي مدعاهم فالتوبيخ حينئذ متوجه إلى الكل ، والنكتة في توسيط معمول الفعل المحضض عليه بينه وبين أداة التخصيص وإن جاز ذلك مطلقا أي سواء كان المعمول الوسط ظرفا أو غيره تخصيص التحضيض بأول وقت السماع وقصر التوبيخ واللوم على تأخير الإتيان بالمحضض عليه عن ذلك الآن والتردد فيه ليفيد أن عدم الإتيان به رأسا في غاية ما يكون من القباحة والشناعة أي كان الواجب على المؤمنين والمؤمنات أن يظنوا أول ما سمعوا ذلك الإفك ممن اخترعه بالذات أو بالواسطة من غير تلعثم وتردد بأهل ملتهم من آحاد المؤمنين والمؤمنات خيرا (وَقالُوا) في ذلك الآن (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي ظاهر مكشوف كونه إفكا فكيف بأم المؤمنين حليلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنت المهاجرين رضي الله تعالى عنهما.
ويجوز أن يكون المعنى هلا ظن المؤمنون والمؤمنات أول ما سمعوا ذلك خيرا بأهل ملتهم عائشة وصفوان وقالوا إلخ (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) إما من تمام القول المحضض عليه مسوق لتوبيخ السامعين على ترك الزام الخائضين أي هلا جاء الخائضون بأربعة شهداء يشهدون على ثبوت ما قالوا : (فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ) الأربعة ، وكان الظاهر فإذا لم يأتوا بهم إلا أنه عدل إلى ما في النظم الجليل لزيادة التقرير (فَأُولئِكَ) إشارة إلى الخائضين ، وما فيها من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفساد أي فأولئك المفسدون (عِنْدَ اللهِ) أي في حكمه وشريعته (هُمُ الْكاذِبُونَ) أي المحكوم عليهم بالكذب شرعا أي بأن خبرهم لم يطابق في الشرع الواقع ، وقيل : المعنى فأولئك في علم الله تعالى هم الكاذبون الذين لم يطابق خبرهم الواقع في نفس الأمر لأن الآية في خصوص عائشة رضي الله تعالى عنها وخبر أهل الإفك فيها غير مطابق للواقع في نفس الأمر في علمه عزوجل.
وتعقب بأن خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم مع أن ظاهر التقييد بالظرف يأبى ذلك ، وجعله من قبيل قوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] خلاف الظاهر ، وأيا ما كان فالحصر للمبالغة ، وإما كلام مبتدأ مسوق من جهته سبحانه وتعالى تقريرا لكون ذلك إفكا (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ) أي تفضله سبحانه