وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(٤٠)
(وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) [٣٤. ٤٠] كلام مستأنف جيء به في تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة لبيان جلالة شئونها المستوجبة للإقبال الكلي على العمل بمضمونها ، وصدر بالقسم المعربة عنه اللام لإبراز كمال العناية بشأنه أي وبالله لقد أنزلنا إليكم في هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل مالكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك مما هو من مبادي بيانها على أن (مُبَيِّناتٍ) من بين المتعدي والمفعول محذوف وإسناد التبيين إلى الآيات مجازي أو آيات واضحات صدقتها الكتب القديمة والعقول السليمة على أنها من بين بمعنى تبين اللازم أي آيات تبين كونها آيات من الله تعالى ، ومنه المثل قد بين الصبح لذي عينين. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر «مبينات» على صيغة المفعول أي آيات بينها الله تعالى وجعلها واضحة الدلالة على الأحكام والحدود وغيرها ، وجوز أن يكون الأصل مبينا فيها الأحكام فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول.
(وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) عطف على (آياتٍ) أي وأنزلنا مثلا كائنا من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء عليهمالسلام فينتظم قصة عائشة رضي الله تعالى عنها المحاكية لقصة يوسف عليهالسلام وقصة مريم رضي الله تعالى عنها حيث أسند إليهما مثل ما أسند إلى عائشة من الإفك فبرأهما الله تعالى منه وسائر الأمثال الواردة في هذه السورة الكريمة انتظاما أوليا ، وهذا أوفق بتعقيب الكلام بما سيأتي إن شاء الله تعالى من التمثيلات من تخصيص الآيات بالسوابق وحمل المثل على القصة العجيبة فقط (وَمَوْعِظَةً) تتعظون بها وتنزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب فهي عبارة عما سبق من الآيات والمثل لظهور كونها من المواعظ بالمعنى المذكور ، ويكفي في العطف التغاير العنواني المنزل منزلة التغاير الذاتي ، وقد خصت الآيات بما يبين الحدود والأحكام والموعظة بما يتعظ به كقوله تعالى (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) [النور : ٢] وقوله سبحانه : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) [النور : ١٢] إلخ وغير ذلك من الآيات الواردة في شأن الآداب ؛ وقيدت الموعظة بقوله سبحانه : (لِلْمُتَّقِينَ) مع شمولها للكل حسب شمول الإنزال حثا للمخاطبين على الاغتنام بالانتظام في سلك المتقين ببيان أنهم المغتنمون لآثارها المقتبسون من أنوارها فحسب ، وقيل : المراد بالآيات المبينات والمثل والموعظة جميع ما في القرآن المجيد من الآيات والأمثال والمواعظ (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) النور في اللغة ـ على ما قال ابن السكيت ـ الضياء وهذا ظاهر في عدم الفرق بين النور والضياء ، وفرق بينهما جمع وإن كان إطلاق أحدهما على الآخر شائعا فقال الإمام السهيلي في الروض في قول ورقة :
ويظهر في البلاد ضياء نور |
|
يقيم به البرية أن يموجا |