كما شبهت التاء والنون في تعد ونعد بياء يعد فحذف الواو معهما كما حذفت فيه لوقوعها بين ياء وكسرة.
وقرئ «توقد» بالتاء من فوق على صيغة الماضي من التفعل والضمير للمصباح أي ابتداء توقد المصباح من شجرة.
(لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي ضاحية للشمس لا يظلها جبل ولا شجر ولا يحجبها عنها شيء من حين تطلع إلى أن تغرب وذلك أحسن لزيتها ، وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والكلبي وهو تفسير بلازم المعنى أعني به كونها بين الشرق والغرب. وعن ابن زيد أي ليست من شجر الشرق ولا من شجر الغرب لأن ما اختص بإحدى الجهتين كان أقل زيتا وأضعف ضوءا لكنها من شجر الشام وهي ما بين المشرق والمغرب وزيتونها أجود ما يكون ، وقال أبو حيان في تذكرته : المعنى ليست في مشرقة أبدا أي في موضع لا يصيبه ظل وليست في مقناة أبدا أي في موضع لا تصيبه الشمس ، وحاصله ليست الزيتونة تصيبها الشمس خاصة ولا الظل خاصة ولكن يصيبها هذا في وقت وهذا في وقت ، وقال الفراء والزجاج : المعنى لا شرقية فقط ولا غربية فقط لكنها شرقية غربية أي تصيبها الشمس عند طلوعها وغروبها ، وأنت تعلم أنه لا بد من تقدير قيد فقط بعد كل من (شَرْقِيَّةٍ) و (غَرْبِيَّةٍ) كما سمعت ليتوجه النفي إليه فيفيد التركيب اجتماع الأمرين وإلا فظاهره نفيهما ، وعن المطلع أن هذا كقول الفرزدق :
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم |
|
ولم تكثر القتلى بها حين سلت |
إذ معناه شاموا سيوفهم وأكثروا بها القتلى ، وتعقبه في الكشف بأنه لا استدلال بالبيت على ذلك لجواز أن يريد لم يشيموا غير مكثري القتلى على الحال وإفادته المعنى المذكور واضحة حينئذ ، وعن ابن عباس أنها في دوحة أحاطت بها فليست منكشفة لا من جهة الشرق ولا من جهة الغرب ، وتعقب بأن هذا لا يصح عن ابن عباس لأنها إذا كانت بهذه الصفة فسد جناها ، وعن الحسن أن هذا مثل وليست من شجر الدنيا إذ لو كانت في الدنيا لكانت شرقية أو غربية ، وعن عكرمة أنها من شجر الجنة ولعله إنما جزم بذلك لما ذكر الحسن ولا يخفى ما فيه ، وقرأ الضحاك «لا شرقية ولا غربية» بالرفع أي هي لا شرقية ولا غربية.
وقال أبو حيان : أي لا هي شرقية ولا غربية ، ولعل ما ذكرنا أولى ، والجملة في موضع الصفة لزيتونة.
(يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) أي هو في الصفاء والإنارة بحيث يكاد يضيء بنفسه من غير مساس نار أصلا ، وكلمة (لَوْ) في أمثال هذه المواقع ليست لبيان انتفاء الشيء لانتفاء غيره في الزمان الماضي فلا يلاحظ لها جواب قد حذف ثقة بدلالة ما قبلها عليه ملاحظة قصدية إلا عند القصد إلى بيان الإعراب على القواعد الصناعية بل هي لبيان تحقق ما يفيده الكلام السابق من الحكم الموجب أو المنفي على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له إجمالا بإدخالها على أبعدها منه ، والواو الداخلة عليها لعطف الجملة المذكورة على جملة محذوفة مقابلة لها عند الجزولي ومن وافقه ، ومجموع الجملتين في حيز النصب على الحالية من المستكن في الفعل الموجب أو المنفي ، وتقدير الآية الكريمة يكاد زيتها يضيء لو مسته نار ولو لم تمسسه نار أي يضيء كائنا على كل حال من وجود شرط الإضاءة وعدمه ، وحذفت الجملة الأولى حسبما هو المطرد في الباب ثقة بدلالة الثانية عليها دلالة واضحة.
وقال الزمخشري : الواو للحال ومقتضاه أن (لَوْ) مع ما بعدها حال فالتقدير والحال لو كان أو لم يكن كذا أي مفروضا ثبوته أو انتفاؤه ، لكن الزمخشري ومثله المرزوقي يقدر ولو كان الحال كذا. وتعقب ذلك بأن أدوات الشرط لا تصلح للحالية لأنها تقتضي عدم التحقق والحال يقتضي خلافه. والتزم لذلك أنه انسلخ عنها الشرطية وأنها مؤولة