المشكاة حوف محمد صلىاللهعليهوسلم والزجاجة قلبه الشريف والمصباح النور الذي فيه ، وشبه قلبه صلوات الله تعالى وسلامه عليه بالزجاجة المنعوتة بالكوكب الدري لصفائه وإشراقه وخلوصه عن كدورة الهوى ولوث النفس الأمّارة وانعكاس نور اللطيفة إليه. وشبهت اللطيفة القدسية المزهرة في القلب بالمصباح الثاقب.
أخرج الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : القلوب أربعة قلب أجود فيه مثل السراج يزهر ـ وفيه ـ أما القلب الأجود فقلب المؤمن سراجه فيه نوره» الحديث ، وشبه نفس القرآن بالشجرة المباركة لثبات أصلها وتشعب فروعها وتأديها إلى ثمرات لا نهاية لها قال الله تعالى : (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) [إبراهيم : ٢٤ ، ٢٥] الآية. وروى محيي السنة عن الحسن وابن زيد الشجرة المباركة شجرة الوحي يكاد زيتها يضيء تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم تقرأ. وشبه ما يستمده نور قلبه الشريف صلوات الله تعالى وسلامه عليه من القرآن وابتداء تقويته منه بالزيت الصافي قال الله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [الشورى : ٥٢] فكما جعل سبحانه القرآن سبب توقده منه في قوله تعالى : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) جعل ضوءه مستفادا من انعكاس نور اللطيفة إليه في قوله عزوجل (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ).
والمعنى على ما ذكر في انسان العين يكاد سر القرآن يظهر للخلق قبل دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم وفيه مسحة من معنى قوله :
رق الزجاج ورقت الخمر |
|
فتشابها وتشاكل الأمر |
فكأنما خمر ولا قدح |
|
وكأنما قدح ولا خمر |
ومنه وصفت الشجرة بكونها لا شرقية ولا غربية. وعن ابن عباس تشبيه فؤاده صلىاللهعليهوسلم بالكوكب الدري وأن الشجرة المباركة إبراهيم عليهالسلام. ومعنى لا شرقية ولا غربية أنه ليس بنصراني فيصلي نحو المشرق ولا يهودي فيصلي نحو المغرب. والزيت الصافي دين إبراهيم عليهالسلام ، وقد يقال على تفريق التشبيه لكن على مشرع آخر شبه القرآن بالمصباح على ما سبق ونفسه صلىاللهعليهوسلم الزكية الطاهرة بالشجرة لكونها نابتة من أرض الدين متشعبة فروعها إلى سماء الإيمان متدلية أثمارها إلى فضاء الإخلاص والإحسان وذلك لاستقامتها بمقتضى قوله تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) [هود : ١١٢] غير مائلة إلى طرفي الإفراط والتفريط وذلك معنى قوله تعالى : (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) ويشبه ما محض من تلك الثمرات بعد التصفية التامة للتهيئة وقبول الآثار بالزيت الصافي لوفور قوة استعدادها للاستضاءة للدهنية القابلة للاشتعال ، ومن ثم خصت شجرة الزيتون لأن لب ثمرتها الزيت الذي تشتعل به المصابيح ، وخص هذا الدهن لمزيد إشراقه مع قلة الدخان يكاد زيت استعداده صلوات الله تعالى وسلامه عليه لصفائه وزكائه يضيء ولو لم يمسسه نور القرآن ، روى البغوي عن محمد بن كعب القرظي تكاد محاسن محمد صلىاللهعليهوسلم تظهر للناس قبل أن يوحى إليه ، قال ابن رواحة :
لو لم يكن فيه آيات مبينة |
|
كانت بداهته تنبيك عن خبره |
وفي حقائق السلمي مثل نوره في عبده المخلص والمشكاة القلب والمصباح النور الذي قذف فيه والمعرفة تضيء في قلب العارف بنور التوفيق يوقد من شجرة مباركة يضيء على شخص مبارك تتبين أنوار باطنة على آداب ظاهرة وحسن معاملته زيتونة لا شرقية ولا غربية جوهرة صافية لا لها حظ في الدنيا ولا في الآخرة لاختصاصها بموالاة