يدل على أن سبب العقاب الأعمال الصالحة بل وجد أن العقاب بسبب قبائح أعمالهم لكنها ذكرت جميعها لبيان أن بعضها جعل هباء منثورا وبعضها معاقب به ، وجوز أن تكون للتخيير في التشبيه لمشابهة أعمالهم الحسنة أو مطلقا السراب لكونها لاغية لا منفعة فيها ، والظلمات المذكورة لكونها خالية عن نور الحق ، واختاره الكرماني.
واعترض بأن الرضي كغيره ذكر أنها لا تكون للتخيير إلا في الطلب. وأجيب بأنه وإن اشتهر ذلك فقد ذهب كثير إلى عدم اختصاصه به كابن مالك والزمخشري ووقوعه في التشبيه كثير ، وأيا ما كان فليس في الكلام مضاف محذوف. وقال أبو علي الفارسي : فيه مضاف محذوف والتقدير أو كذي ظلمات ، ودل عليه ما يأتي من قوله سبحانه : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ) والتشبيه عنده هنا يحتمل أن يكون للأعمال على نمط التشبيه السابق ويقدر أو كأعمال ذي ظلمات. ويحتمل أن يكون للكفرة ويقدر أو هم كذي ظلمات والكل خلاف الظاهر ، وأمر الضمير سيظهر لك إن شاء الله تعالى.
وقرأ سفيان بن حسين «أوكظلمات» بفتح الواو ، ووجه ذلك في البحر بأنه جعلها واو عطف تقدمت عليها الهمزة التي لتقرير التشبيه الخالي عن محض الاستفهام. وقيل هي (أَوْ) التي في قراءة الجمهور وفتحت الواو للمجاورة كما كسرت الدال لها في قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على بعض القراءات (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) أي عميق كثير الماء منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر. وقيل اللجة وهي أيضا معظمه وهو صفة (بَحْرٍ) وكذا جملة قوله تعالى : (يَغْشاهُ) أي يغطي ذلك البحر ويستره بالكلية (مَوْجٌ) وقدمت الأولى لإفرادها. وقيل الجملة صفة ذي المقدر والضمير راجع إليه ، وقد علمت حال ذلك التقدير وقوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ) جملة من مبتدأ وخبر محلها الرفع على أنها صفة لموج أو الصفة الجار والمجرور وما بعده فاعل له لاعتماده على الموصوف. والمراد يغشاه أمواج متراكمة متراكبة بعضها على بعض ، وقوله تعالى : (مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) صفة لموج الثاني على أحد الوجهين المذكورين أي من فوق ذلك الموج سحاب ظلماني ستر أضواء النجوم ، وفيه إيماء إلى غاية تراكم الأمواج وتضاعفها حتى كأنها بلغت السحاب (ظُلُماتٌ) خبر مبتدأ محذوف أي هي ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) أي متكاثفة متراكمة ، وهذا بيان لكمال شدة الظلمات كما أن قوله تعالى : (نُورٌ عَلى نُورٍ) بيان لغاية قوة النور خلا أن ذلك متعلق بالمشبه وهذا بالمشبه به كما يعرب عنه ما بعده.
وأجاز الحوفي أن يكون (ظُلُماتٌ) مبتدأ خبره قوله تعالى : (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ). وتعقبه أبو حيان وتبعه ابن هشام بأن الظاهر أنه لا يجوز لما فيه من الابتداء بالنكرة من غير مسوغ إلا أن يقدر صفة لها يؤذن بها التنوين أي ظلمات كثيرة أو عظيمة وهو تكلف. وأجاز أيضا أن يكون (بَعْضُها) بدلا من (ظُلُماتٌ). وتعقب بأنه لا يجوز من جهة المعنى لأن المراد والله تعالى أعلم الإخبار بأنها ظلمات وأن بعض تلك الظلمات فوق بعض أي هي ظلمات متراكمة لا الإخبار بأن بعض ظلمات فوق بعض من غير إخبار بأن تلك الظلمات السابقة متراكمة. وقرأ قنبل «ظلمات» بالجر على أنه بدل من (ظُلُماتٌ) الأولى لا تأكيد لها. وجملة (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) في موضع الصفة له. وقرأ البزي «سحاب ظلمات» بإضافة سحاب إلى ظلمات وهذه الإضافة كالإضافة في لجين الماء أو لبيان أن ذلك السحاب ليس سحاب مطر ورحمة.
(إِذا أَخْرَجَ) أي من ابتلى بها ، وإضماره من غير ذكر لدلالة المعنى عليه دلالة واضحة. وكذا تقدير ضمير يرجع إلى (ظُلُماتٌ) واحتج إليه لأن جملة (إِذا أَخْرَجَ) إلخ في موضع الصفة لظلمات ولا بد لها من رابط ولا يتعين ما أشرنا إليه. وقيل : ضمير الفاعل عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل على حد «لا يشرب الخمر وهو