بها هو غير التسبيح الحالي الذي هو الدلالة السابقة ويقدر فعل رافع لها يراد منه ذلك المعنى الملهم أي ويسبح الطير ، وتخصيص تسبيحها بذلك المعنى بالذكر لما أن أصواتها أظهر وجودا وأقرب حملا على التسبيح لكن التقييد بالحال على هذا حاله في الحسن دون حاله على ما سبق.
وقرأ الأعرج «والطير» بالنصب على أنه مفعول معه ، وقرأ الحسن وخارجة عن نافع «والطير صافات» برفعهما على الابتداء والخبرية ، والظاهر على هذه القراءة أن قوله تعالى : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) خبر بعد خبر وعلى قراءة الجمهور استئناف جيء به لبيان كمال عراقة كل واحد مما ذكر من الطير وما اندرج في عموم (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في التنزيه ورسوخ قدمه فيه بتمثيل حاله بحال من يعلم ما يصدر عنه من الأفاعيل فيفعلها عن قصد ونية لا عن اتفاق بلا روية ، وقد أدمج سبحانه في تضاعيفه الإشارة إلى أن لكل واحد من الأشياء المذكورة مع ما ذكر من التنزيه حاجة ذاتية إليه تعالى واستفاضة منه عزوجل لما يهمه بلسان استعداده ، وتحقيقه أن كل واحد من الموجودات الممكنة في حد ذاته بمعزل عن استحقاق الوجود لكنه مستعد لأن يفيض عليه منه تعالى ما يليق بشأنه من الوجود وما يتبعه من الكمالات ابتداء وبقاء فهو مستفيض منه تعالى على الاستمرار فيفيض عليه في كل آن من فنون الفيوض المتعلقة بذاته وصفاته ما لا يحيط به نطاق البيان بحيث لو انقطع ما بينه وبين العناية الربانية من العلاقة لانعدم بالمرة ، وقد عبر عن تلك الاستفاضة المعنوية بالصلاة التي هي الدعاء والابتهال لتكميل التمثيل ، وتقديمها على التسبيح في الذكر لتقدمها عليه في الرتبة كذا في إرشاد العقل السليم ، والكلام عليه استعارة تمثيلية والمضاف إليه الذي ناب عنه تنوين (كُلٌ) ما يشمل المذكور المصرح به والمندرج تحت العموم حتى الجماد وضمير (عَلِمَ) وكذا ضميرا (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) لكل واحد وإليه ذهب الزجاج.
وزعم بعضهم أنه يكون في (عَلِمَ) على ذلك استعارة تبعية وقال في بيان ذلك : إنه يشبه دلالة كل واحد من المذكورين على الحق بلسان الحق والمقال وميل كل منهم إلى النفع اختيارا أو طبعا بعلم التسبيح والصلاة فيطلق على كل واحد من تلك الدلالة والميل اسم العلم على سبيل الاستعارة ويشتق منه لفظ علم ، ومن له أدنى ذوق لا يرتضيه ، وجوز أيضا أن يكون الصلاة مجازا عن الميل والتسبيح مجازا عن الدلالة ومع هذا قيل إنه وإن صح غير مناسب للتمثيل ، وزعم بعض أن الأولى أن يجعل المضاف إليه غير شامل للجماد وليس بذاك ، وجوز أن يكون ضميرا (صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) لله تعالى على أن الإضافة للمفعول ، وجوز أن يكون لكل واحد مما في السموات والأرض ويكون ضمير (عَلِمَ) لله عزوجل ، وقال غير واحد : يجوز أن لا يكون هناك استعارة والعلم على حقيقته ويراد به مطلق الإدراك ويراد بما ناب عنه التنوين أنواع الطير أو أفرادها وبالصلاة والتسبيح ما ألهمه الله عزوجل كل واحد من الدعاء والتسبيح المخصوصين به ، ولا بعد في هذا الإلهام فقد ألهم سبحانه كل نوع من أنواع الحيوانات علوما دقيقة لا يكاد يهتدي إليها جهابذة العقلاء وهذا مما لا سبيل إلى إنكاره أصلا كيف لا وأن القنفذ مع كونه أبعد الحيوانات من الإدراك قالوا : إنه يحس بالشمال والجنوب قبل هبوبهما فيغير المدخل إلى جحره ، والجملة على هذا لبيان كمال الرسوخ في الأمرين وأن صدورهما عن الطير ليس بطريق الاتفاق بلا روية بل عن علم وإتقان نظير ما مر لكن لا على سبيل التمثيل ، وقدر فعل رافع للطير عليه أي ويسبح الطير كما تقدم ولم تجعل معطوفة على (مَنْ) مرفوعة برافعها قيل لأنه يؤدي إلى أن يراد بالتسبيح الدال عليه الفعل المذكور معنى مجازي شامل للتسبيح المقالي والحالي من العقلاء وغيرهم ، وقد تقدم ما فيه ، وجوز جعل ما ناب عنه التنوين ما يشمل الطير وغيره من المندرج في العموم السابق ، وفيه أن مما اندرج في العموم الجماد ولا ينسب إليه العلم وإن كان بمعنى مطلق الإدراك والتزم أن له علما وأنه