كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٦٤)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ رجوع عند الأكثرين إلى بيان تتمة الأحكام السابقة بعد تمهيد ما يوجب الامتثال بالأوامر والنواهي الواردة فيها وفي الأحكام اللاحقة من التمثيلات والترغيب والترهيب والوعد والوعيد ، وفي التحقيق ويحتمل أن يقال : إنه مما يطاع الله تعالى ورسوله لله فيه ، وتخصيصه بالذكر لأن دخوله في الطاعة باعتبار أنه من الآداب أبعد من غيره ، والخطاب إما للرجال خاصة والنساء داخلات في الحكم بدلالة النص أو للفريقين تغليبا ، واعترض الأول بأن الآية نزلت بسبب النساء ، فقد روي أن أسماء بنت أبي مرثد (١) دخل عليها غلام كبير لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فنزلت ، وقد ذكر الإتقان أن دخول سبب النزول في الحكم قطعي.
وأجيب بأنه ما المانع من أن يعلم الحكم في السبب بطريق الدلالة والقياس الجلي ويكون ذلك في حكم الدخول ، ونقل عن السبكي أنه ظني فيجوز إخراجه ؛ وتمام الكلام في ذلك في كتب الأصول ، ثم ما ذكر في سبب النزول ليس مجمعا عليه ، فقد روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث وقت الظهيرة إلى عمر رضي الله تعالى عنه غلاما من الأنصار يقال له مدلج وكان رضي الله تعالى عنه نائما فدق عليه الباب ودخل فاستيقظ وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لوددت أن الله تعالى نهى آباءنا وأبناءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعة إلا بإذن فانطلق معه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجد هذه الآية قد نزلت فخر ساجدا ، وهذا أحد موافقات رأيه الصائب رضي الله تعالى عنه للوحي ، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي أنه قال : كان أناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات فيغتسلوا ثم يخرجون إلى الصلاة فى مرهم الله تعالى أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ويعلم منه أن الأمر في قوله سبحانه (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) وإن كان في الظاهر للمملوكين والصبيان لكنه في الحقيقة للمخاطبين فكأنهم أمروا أن يأمروا المذكورين بالاستئذان وبهذا ينحل ما قيل : كيف يأمر الله عزوجل من لم يبلغ الحلم بالاستئذان وهو تكليف ولا تكليف قبل البلوغ ، وحاصله أن الله تعالى لم يأمره حقيقة وإنما أمر سبحانه الكبير أن يأمره بذلك كما أمره أن يأمره بالصلاة ، فقد روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «مروا أولادكم بالصلاة وهم
__________________
(١) وقيل أبي مرشد بالشين المعجمة واختاره جمع ا ه منه.