المتقدمان آنفا ، وقد مر غير مرة ما يراد بمثل هذه الجملة من الوعيد أو الوعد. ولا يخفى المناسب لكل من الاحتمالات في (أَنْتُمْ) و (يُرْجَعُونَ) وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو «يرجعون» مبنيا للمفعول (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أي بعملهم أو بالذي عملوه من الأعمال السيئة التي من جملتها مخالفة الأمر فيرتب سبحانه عليه ما يليق به من التوبيخ والجزاء أو فينبئهم بما عملوا خيرا أو شرا فيرتب سبحانه على ذلك ما يليق به إن خيرا فخير وإن شرا فشر (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه شيء من الأشياء. والجملة تذييل مقرر لما قبله ، وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتأكيد استقلال الجملة والإشعار بعلة الحكم ، وتقديم الظرف لرعاية رءوس الآي. وقيل وفيه بحث : إنه للحصر على معنى والله عليم بكل شيء لا ببعض الأشياء كما يزعمه بعض جهلة الفلاسفة ومن حذا حذوهم حفظنا الله تعالى والمسلمين مما هم عليه من الضلالات لنا نورا نهتدي به إذا ادلهم ليل الجهالات هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات ما قيل في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) إلى آخره أنه إشارة إلى جمع العناصر الأربعة وتركيب الإنسان منها ثم خروج مطر الإحساس من عينيه وأذنيه مثلا وينزل من سماء العقل الفياض برد حقائق العلوم فيصيب به من يشاء فتظهر آثاره عليه ويصرفه عمن يشاء حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) نور تجليه (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) بأن يعطلها عن الابصار ويفني أصحابها عنها لما أن الإدراك بنوره فوق الإدراك بنور الابصار (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) إشارة إلى ليل المحو ونهار الصحو أو ليل القبض ونهار البسط أو ليل الجلال ونهار الجمال أو نحو ذلك. وقيل : يزجي سحاب المعاصي إلى أن يتراكم فترى مطر التوبة يخرج من خلاله كما خرج من سحاب (وَعَصى آدَمُ) مطر (ثُمَّ اجْتَباهُ) ربه وينزل من سماء القلوب من جبال القسوة فيها من برد القهر يقلب الله ليل المعصية لمن يشاء إلى نهار الطاعة وبالعكس (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) تقدم الكلام في الماء (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) يعتمد في سيره على الباطن وهم أهل الجذبة المغمورون في بحار المحبة (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) يعتمد في سيره الشريعة والطريقة لكن فيما يتعلق به خاصة منهما وهم صنف من الكاملين سكنوا زوايا الخمول ولم يخالطوا الناس ولم يشتغلوا بالإرشاد (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) يعتمد في سيره الشريعة والطريقة فيما يتعلق به وبغيره منهما وهم صنف آخر من الكاملين برزوا للناس وخالطوهم واشتغلوا بالإرشاد وعملوا في أنفسهم بما تقتضيه الشريعة والطريقة وعاملوا الناس والمريدين بذلك أيضا (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) فلا يبعد أن يكون في خلقه من يمشي على أكثر كالكاملين الذين أوقفهم الله تعالى على أسرار الملك والملكوت وما حده لكل أمة من الأمم ونوع من أنواع المخلوقات فعاملوا بعد أن عملوا في أنفسهم ما يليق بهم كل أمة وكل نوع بما حد له (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ).
وفي قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ) الآيات إشارة إلى أحوال المنكرين في القلب على المشايخ وأحوال المصدقين بهم قلبا وقالبا وفي قوله سبحانه : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) إشارة إلى أن طاعة الرسول سبب لحصول المكاشفات ونحوها ، وقال أبو عثمان : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) وفي قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ) إشارة إلى أنه لا ينبغي للمريد الاستبداد بشيء قال عبد الله الرازي : قال قوم من أصحاب أبي عثمان لأبي عثمان أوصنا فقال : عليكم بالاجتماع على الدين وإياكم ومخالفة الأكابر والدخول في شيء من الطاعات إلا بإذنهم ومشورتهم وواسوا المحتاجين بما أمكنكم فإذا فعلتم