يقتضي انتظام كل ما سواه كائنا ما كان تحت ملكوته القاهر بحيث لا يشذ من ذلك شيء ومن كان كذلك كيف يتوهم كونه ولدا له سبحانه أو شريكا في ملكه عزوجل ، وذكر الطيبي أن قوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) توطئة وتمهيد لقوله سبحانه : (لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) وأردف بقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) لما أن كونه سبحانه بديع السموات والأرض وفاطرهما ومالكهما مناف لاتخاذ الولد والشريك قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) [الأنعام : ١٠١] الآية ، وقد يقال : إن هذه الجملة تصريح بما علم قبل ليكون التشنيع على المشركين بقوله سبحانه : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أظهر ، وضمير (اتَّخَذُوا) للمشركين المفهوم من قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) أو من المقام ، وقوله سبحانه : (نَذِيراً) ، وقال الكرماني : للكفار وهم مندرجون في قوله تعالى : (لِلْعالَمِينَ) والمراد حكاية أباطيلهم في أمر التوحيد والنبوة وإظهار بطلانها بعد أن بين سبحانه حقيقة الحق في مطلع السورة الكريمة أي اتخذوا لأنفسهم متجاوزين الله تعالى الذي ذكر بعض شئونه العظيمة آلهة لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء وهم مخلوقون لله تعالى أو هم يختلقهم عبدتهم بالنحت والتصوير ، ورجح المعنى الأول بأن الكلام عليه أشمل ولا يختص بالأصنام بخلافه على الثاني ويكون التعبير بالمضارع عليه في (يَخْلُقُونَ) المبني للمفعول لمشاكلة (يَخْلُقُونَ) المبني للفاعل مع استحضار الحال الماضية ، ورجح المعنى الثاني بأنه أنسب بالمقام لأن الذين أنذرهم نبينا صلىاللهعليهوسلم شفاها عبدة الأصنام وأن الأحكام الآتية أوفق بها ، نعم فيه تفسير الخلق بالافتعال كما في قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) لأنه الذي يصح نسبته لغيره عزوجل وكذا الخلق بمعنى التقدير كما في قول زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض |
|
القوم يخلق ثم لا يفري |
والمتبادر منه إيجاد الشيء مقدرا بمقدار كما هو المراد من سابقه ، وتفسيره بذلك أيضا كما فعل الزمخشري بعيد كذا قيل : وتعقب أنه يجوز أن يراد منه هذا المتبادر والأصنام بذواتها وصورها وأشكالها مخلوقة لله تعالى عند أهل الحق لأن أفعال العباد وما يترتب عليها وينشأ منها من الآثار مخلوقة له عزوجل عندهم كما حقق بل لو قيل بتعين هذه الإرادة على ذلك الوجه لم يبعد ، وقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) لبيان حالهم بعد خلقهم ووجودهم ، والمراد لا يقدرون على التصرف في ضر ما ليدفعوه عن أنفسهم ولا في نفع ما حتى يجلبوه إليهم ، ولما كان دفع الضر أهم أفيد أولا عجزهم عنه ؛ وقيل : (لِأَنْفُسِهِمْ) ليدل على غاية عجزهم لأن من لا يقدر على ذلك في حق نفسه لأن لا يقدر عليه في حق غيره من باب أولى. ومن خص الأحكام في الأصنام قال : إن هذا لبيان ما لم يدل عليه ما قبله من مراتب عجزهم وضعفهم فإن بعض المخلوقين العاجزين عن الخلق ربما يملك دفع الضر وجلب النفع في الجملة كالحيوان ، وقد يقال : التصرف في الضر والنفع بالدفع والجلب على الإطلاق ليس على الحقيقة إلا لله عزوجل كما ينبئ عنه قوله سبحانه لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [الأعراف : ١٨٨] وقوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) أي لا يقدرون على التصرف في شيء منها بإماتة الأحياء وإحياء الموتى في الدنيا وبعثهم في الأخرى للتصريح بعجزهم عن كل واحد مما ذكر على التفصيل والتنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على جميع ذلك ، وتقديم الموت لمناسبة الضر المقدم (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ) القائلون ـ كما أخرجه جمع عن قتادة ـ هم مشركو العرب لا جميع الكفار بقرينة ادعاء إعانة بعض أهل الكتاب له صلى الله تعالى عليه وسلم وقد سمي منهم في بعض الروايات النضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد ، ويجوز أن يراد غلاتهم كهؤلاء ومن ضامهم ، وروي عن ابن عباس ما يؤيده ، وروي عن الكلبي ومقاتل أن