وقيل : إنه استدراك عن قوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ) إلخ وهو منفي معنى كأنه قيل : لا يعلمون ذلك بل تأتيهم إلخ ، وبينه وبين ما زعمه ابن عطية كما بين السماء الأرض. والمضمر في (تَأْتِيهِمْ) عائد على (الْوَعْدُ) لتأويله بالعدة أو الموعدة أو الحين لتأويله بالساعة أو على (النَّارَ) واستظهره في البحر ، (بَغْتَةً) أي فجأة مصدر في موضع الحال أو مفعول مطلق لتأتيهم وهو مصدر من غير لفظه (فَتَبْهَتُهُمْ) تدهشهم وتحيرهم أو تغلبهم على أنه معنى كنائي.
وقرأ الأعمش «بل يأتيهم» بياء الغيبة «بغتة» بفتح الغين وهو لغة فيها ، وقيل : إنه يجوز في كل ما عينه حرف حلق «فيبهتهم» بياء الغيبة أيضا ، فالضمير المستتر في كل من الفعلين للوعد أو للحين على ما قال الزمخشري.
وقال أبو الفضل الرازي : يحتمل أن يكون للنار بجعلها بمعنى العذاب (فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها) الضمير المجرور عائد على ما عاد عليه ضمير المؤنث فيما قبله ، وقيل : على البغتة أي لا يستطيعون ردها عنهم بالكلية (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي يمهلون ليستريحوا طرفة عين ، وفيه تذكير بإمهالهم في الدنيا.
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) إلخ تسلية لرسوله صلىاللهعليهوسلم عن استهزائهم بعد أن قضى الوطر من ذكر الأجوبة الحكمية عن مطاعنهم في النبوة وما أدمج فيها من المعاني التي هي لباب المقاصد وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قضى ما عليه من عهدة الإبلاغ وأنه المنصور في العاقبة ولهذا بدئ بذكر أجلة الأنبياء عليهمالسلام للتأسي وختم بقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) [الأنبياء : ١٠٥] إلخ ، وتصدير ذلك بالقسم لزيادة تحقيق مضمونه ، وتنوين الرسل للتفخيم والتكثير ، ومن متعلقة بمحذوف هو صفة له أي وبالله لقد استهزئ برسل أولى شأن خطير وذوي عدد كثير كائنين من زمان قبل زمانك على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه (فَحاقَ) أي أحاط عقيب ذلك أو نزل أو حل أو نحو ذلك فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يستعمل إلا في الشر. والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله ، وقيل : أصل حاق حق كزال وزل وذام وذم. وقوله تعالى : (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أي من أولئك الرسل عليهمالسلام متعلق بحاق. وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى : (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم ، و (ما) إما موصولة مفيدة للتهويل والضمير المجرور عائد عليها والجار متعلق بالفعل بعده وتقديمه لرعاية الفواصل أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزءون به حيث أهلكوا لأجله. وإما مصدرية فالضمير راجع إلى جنس الرسول المدلول عليه بالجمع كما قالوا. ولعل إيثار الأفراد على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاء استهزائهم بكل واحد منهم عليهمالسلام لأجزاء استهزائهم بكلهم من حيث هو فقط أي فنزل بهم جزاء استهزائهم على وضع السبب موضع المسبب إيذانا بكمال الملابسة بينهما أو عين استهزائهم إن أريد بذلك العذاب الأخروي بناء على ظهور الأعمال في النشأة الأخروية بصور مناسبة لها في الحسن والقبح (قُلْ) أمر له صلىاللهعليهوسلم أن يسأل أولئك المستهزئين سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغتروا بما غشيهم من نعم الله تعالى ويقول (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) أي يحفظكم (بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ) أي من بأسه بقرينة الحفظ ، وتقديم الليل لما أن الدواهي فيه أكثر وقوعا وأشد وقعا. وفي التعرض لعنوان الرحمانية تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته تعالى وتلقين للجواب كما قيل في قوله تعالى : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦] وقيل إن ذلك إيماء إلى أن بأسه تعالى إذا أراد شديد أليم ولذا يقال نعوذ بالله عزوجل من غضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم.
وقرأ أبو جعفر والزهري وشيبة «يكلوكم» بضمة خفيفة من غير همز ، وحكى الكسائي والفراء «يكلوكم» بفتح اللام وإسكان الواو ، وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ) إضراب عن ذلك تسجيلا عليهم بأنهم ليسوا