بركتك ، وعاش عليهالسلام بعد الخلاص من البلاء على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سبعين سنة ، ويظهر من هذا مع القول بأن عمره حين أصابه البلاء سبعون أن مدة عمره فوق ثلاث وتسعين بكثير ، ولما مات عليهالسلام أوصى إلى ابنه حرمل كما روي عن وهب ، والآية ظاهرة في أن الأهل ليس المرأة (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) أي وآتيناه ما ذكر لرحمتنا أيوب عليهالسلام وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب ، فرحمة نصب على أنه مفعول له و (لِلْعابِدِينَ) متعلق بذكرى ، وجوز أن يكون (رَحْمَةً وَذِكْرى) تنازعا فيه على معنى وآتيناه العابدين الذين من جملتهم أيوب عليهالسلام وذكرنا إياهم بالإحسان وعدم نسياننا لهم.
وجوّز أبو البقاء نصب «رحمة» على المصدر وهو كما ترى (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) أي واذكرهم ؛ وظاهر نظم ذي الكفل في سلك الأنبياء عليهمالسلام أنه منهم وهو الذي ذهب إليه الأكثر ، واختلف في اسمه فقيل بشر وهو ابن أيوب عليهالسلام بعثه الله تعالى نبيا بعد أبيه وسماه ذا الكفل وأمره سبحانه بالدعاء إلى توحيده ، وكان مقيما بالشام عمره ومات وهو ابن خمس وسبعين سنة وأوصى إلى ابنه عبدان (١) وأخرج ذلك الحاكم عن وهب ، وقيل هو الياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران عليهمالسلام ، وصنيع بعضهم يشعر باختياره ، وقيل يوشع بن نون ، وقيل اسمه ذو الكفل ، وقيل هو زكريا حكى كل ذلك الكرماني في العجائب ، وقيل هو اليسع بن أخطوب بن العجوز ، وزعمت اليهود أنه حزقيال وجاءته النبوة وهو في وسط سبي بختنصر على نهر خوبار.
وقال أبو موسى الأشعري ومجاهد : لم يكن نبيا وكان عبدا صالحا استخلفه. على ما أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد. اليسع عليهالسلام بشرط أن يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب ففعل ولم يذكر مجاهد ما اسمه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال : كان قاضيا في بني إسرائيل فحضره الموت فقال : من يقوم مقامي على أن لا يغضب؟ فقال رجل : أنا يسمى ذا الكفل الخبر ، وأخرج عن ابن حجيرة الأكبر كان ملك من ملوك بني إسرائيل فحضرته الوفاة فأتاه رءوس بني إسرائيل فقالوا : استخلف علينا ملكا نفزع إليه فقال : من تكفل لي بثلاث فأوليه ملكي؟ فلم يتكلم إلا فتى من القوم قال : أنا فقال : اجلس ثم قالها ثانية فلم يتكلم أحد إلا الفتى فقال : تكفل لي بثلاث وأوليك ملكي تقوم الليل فلا ترقد وتصوم فلا تفطر وتحكم فلا تغضب قال : نعم قال : قد وليتك ملكي الخبر ، وفيه كذا في الخبر السابق قصة إرادة إبليس عليه اللعنة إغضابه وحفظ الله تعالى إياه منه ، والكفل الكفالة والحظ والضعف ، وإطلاق ذلك عليه إن لم يكن اسمه إما لأنه تكفل بأمر فوفى به ، وإما لأنه كان له ذا حظ من الله تعالى ، وقيل لأنه كان له ضعف عمل الأنبياء عليهمالسلام في زمانه وضعف ثوابهم.
ومن قال إنه زكريا عليهالسلام قال : إن إطلاق ذلك عليه لكفالته مريم وهو داخل في الوجه الأول ، وفي البحر وقيل : في تسميته ذا الكفل أقوال مضطربة لا تصح والله تعالى أعلم.
(كُلٌ) أي كل واحد من هؤلاء (مِنَ الصَّابِرِينَ) أي على مشاق التكاليف وشدائد النوب ويعلم هذا من ذكر هؤلاء بعد أيوب عليهمالسلام ، والجملة استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من الأمر بذكرهم (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) الكلام فيه على طرز ما سبق من نظيره آنفا.
(إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي الكاملين في الصلاح لعصمتهم من الذنوب. والجملة في موضع التعليل وليس فيه تعليل الشيء بنفسه من غيره حاجة إلى جعل من ابتدائية كما يظهر بأدنى نظر (وَذَا النُّونِ) أي واذكر صاحب الحوت
__________________
(١) ثم بعث الله تعالى شعيبا ا ه منه.