حين ينادى أهل النار (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) وقيل حين يذبح الموت بين الجنة والنار ، وقيل يوم تطوى السماء ، وقيل حين النفخة الأخيرة ، وأخرج ذلك ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس ، والظاهر أن المراد بها النفخة للقيام من القبور لرب العالمين ، وقال في قوله تعالى : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي تستقبلهم بالرحمة عند قيامهم من قبورهم ، وقيل بالسلام عليهم حينئذ قائلين (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) في الدنيا مجيئه وتبشرون بما فيه لكم من المثوبات على الإيمان والطاعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال في الآية : تتلقاهم الملائكة الذين كانوا قرناءهم في الدنيا يوم القيامة فيقولون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة ، وقيل تتلقاهم عند باب الجنة بالهدايا أو بالسلام ، والأظهر أن ذلك عند القيام من القبور وهو كالقرينة على أن عدم الحزن حين النفخة الأخيرة ، وظاهر أكثر الجمل يقتضي عدم دخول الملائكة في الموصول السابق بل قوله تعالى : «وتتلقاهم» إلخ نص في ذلك فلعل الإسناد في ذلك عند من أدرج الملائكة عليهمالسلام في عموم الموصول لسبب النزول على سبيل التغليب أو يقال : إن استثناءهم من العموم السابق لهذه الآية بطريق دلالة النص كما أن دخولهم فيما قبل كان كذلك. وقرأ أبو جعفر «لا يحزنهم» مضارع أحزن وهي لغة تميم وحزن لغة قريش.
(يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) منصوب بأذكر ، وقيل ظرف للا يحزنهم ، وقيل للفزع ، والمصدر المعرف وإن كان ضعيفا في العمل لا سيما وقد فصل بينه وبين معموله بأجنبي إلا أن الظرف محل التوسع قاله في الكشف.
وقال الخفاجي : إن المصدر الموصوف لا يعمل على الصحيح وإن كان الظرف قد يتوسع فيه ، وقيل ظرف لتتلقاهم ، وقيل هو بدل من العائد المحذوف من (تُوعَدُونَ) بدل كل من كل وتوهم أنه بدل اشتمال ، وقيل حال مقدرة من ذلك العائد لأن يوم الطي بعد الوعد.
وقرأ شيبة بن نصاح وجماعة «يطوي» بالياء والبناء للفاعل وهو الله عزوجل وقرأ أبو جعفر وأخرى بالتاء الفوقية والبناء للمفعول ورفع «السماء» على النيابة ، والطي ضد النشر ، وقيل (١) الإفناء والإزالة من قولك : اطو عني هذا الحديث ، وأنكر ابن القيم إفناء السماء وإعدامها إعداما صرفا وادعى أن النصوص إنما تدل على تبديلها وتغييرها من حال إلى حال ، ويبعد القول بالإفناء ظاهر التشبيه في قوله تعالى : (كَطَيِّ السِّجِلِ) وهو الصحيفة على ما أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد ونسبه في مجمع البيان إلى ابن عباس وقتادة والكلبي أيضا ، وخصه بعضهم بصحيفة العهد ، وقيل : هو في الأصل حجر يكتب فيه ثم سمي به كل ما يكتب فيه من قرطاس وغيره ، والجار والمجرور في موضع الصفة لمصدر مقدر أي طيا كطي الصحيفة ، وقرأ أبو هريرة ، وصاحبه أبو زرعة بن عمرو بن جرير «السجل» بضمتين وشد اللام ، والأعمش وطلحة وأبو السمال «السّجلّ» بفتح السين ، والحسن وعيسى بكسرها والجيم في هاتين القراءتين ساكنة واللام مخففة ، وقرأ أبو عمرو : قرأ أهل مكة كالحسن ، واللام في قوله تعالى : (لِلْكُتُبِ) متعلق بمحذوف هو حال من (السِّجِلِ) أو صفة له على رأي من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي كطي السجل كائنا للكتب أو الكائن للكتب فإن الكتب عبارة عن الصحائف وما كتب فيها فسجلها بعض أجزائها وبه يتعلق الطي حقيقة ، وقرأ الأعمش «للكتب» بإسكان التاء ، وقرأ الأكثر «للكتاب» بالإفراد وهو إما مصدر واللام للتعليل أي كما يطوى الطومار للكتابة أي ليكتب فيه وذلك كناية عن اتخاذه لها ووضعه مسوى مطويا حتى إذا احتيج إلى الكتابة لم يحتج إلى تسويته فلا يرد أن المعهود نشر الطومار للكتابة لا طيه لها ، وإما اسم كالإمام فاللام كما ذكر أولا.
__________________
(١) وروي عن الحسن ا ه منه.