بين الميم والألف ووجه ذلك بأنه على لغة من يميل ألف علماء إلى الواو كما كتبوا الصلوات والزكات والربو بالواو على تلك اللغة (وَلَوْ نَزَّلْناهُ) أي القرآن كما هو بنظمه الرائق المعجز (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) الذين لا يقدرون على التكلم بالعربية ، وهو جمع أعجمي كما في التحرير وغيره إلا أنه حذف ياء النسب منه تخفيفا. ومثله الأشعرين جمع أشعري في قول الكميت :
ولو جهزت قافية شرودا |
|
لقد دخلت بيوت الأشعرينا |
وقد قرأه الحسن وابن مقسم بياء النسب على الأصل ، وقال ابن عطية : هو جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وإن كان عربي النسب والعجمي هو الذي نسبته في العجم خلاف العرب وإن كان أفصح الناس انتهى.
واعترض بأن أعجم مؤنثة عجماء وفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة ، وأجيب بأن الأعجم في الأصل البهيمة العجماء لعدم نطقها ثم نقل أو تجوز به عما ذكر وهو بذلك المعنى ليس له مؤنث على فعلاء فلذلك جمع جمع السلامة ، وتعقب بأنه قد صرح العلامة محمد بن أبي بكر الرازي في كتابه غرائب القرآن بأن الأعجم هو الذي لا يفصح والأنثى العجماء ولو سلّم أنه ليس له بذلك المعنى مؤنث فالأصل مراعاة أصله. وفيه أن كون ارتفاع المانع لعارض مجوزا مما صرح به النحاة. ثم إن كون أفعل فعلاء لا يجمع جمع سلامة مذهب البصريين والفراء وغيره من الكوفيين يجوزونه فلعل من قال : إنه جمع أعجم قاله بناء على ذلك. وظاهر الجمع المذكور يقتضي أن يكون المراد به العقلاء ، وعن بعضهم أنه جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل من الدواب العجم وجمع جمع العقلاء لأنه وصف بالتنزيل عليه وبالقراءة في قوله تعالى : (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) فإن الظاهر رجوع ضمير الفاعل إلى بعض الأعجمين وهما من صفات العقلاء ، والمراد بيان فرط عنادهم وشدة شكيمتهم في المكابرة كأنه قيل : ولو نزلناه بهذا النظم الرائق المعجز على من لا يقدر على التكلم بالعربية أو على ما ليس من شأنه التكلم أصلا من الحيوانات العجم (فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) قراءة صحيحة خارقة للعادة (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) مع انضمام إعجاز القراءة إلى إعجاز المقروء ، وقيل : المراد بالأعجمين جمع أعجم أعم من أن يكون عاقلا أو غيره ، ونقل ذلك الطبرسي عن عبد الله بن مطيع ، وذكر أنه روي عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية وهو على بعير فأشار إليه وقال : هذا من الأعجمين. والطبري على ما في البحر يروي نحو هذا عن ابن مطيع ، والمراد أيضا بيان فرط عنادهم ، وقيل : هو جمع أعجم مرادا به ما لا يعقل وضمير الفاعل في (قرأه) للنبي صلىاللهعليهوسلم وضمير (عَلَيْهِمْ) لبعض الأعجمين وكذا ضمير (كانُوا) والمعنى لو نزلنا هذا القرآن على بعض البهائم فقرأه محمد صلىاللهعليهوسلم على أولئك البهائم ما كانوا أي أولئك البهائم مؤمنين به فكذلك هؤلاء لأنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلا ، ولا يخفى ما فيه ، وقيل : المراد ولو نزلناه على بعض الأعجمين بلغة العجم فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين لعدم فهمهم ما فيه ، وأخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وهو بعيد عما يقتضيه مقام بيان تماديهم في المكابرة والعناد. واستند بعضهم بالآية عليه في منع أخذ العربية في مفهوم القرآن إذ لا يتصور على تقدير أخذها فيه تنزيله بلغة العجم إذ يستلزم ذلك كون الشيء الواحد عربيا وعجميا وهو محال.
وأجيب بأن ضمير نزلناه ليس راجعا إلى القرآن المخصوص المأخوذ في مفهومه العربية بل إلى مطلق القرآن ويراد منه ما يقرأ أعم من أن يكون عربيا أو غيره ، وهذا نحو رجوع الضمير للعام في ضمن الخاص في قوله تعالى : (ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) [فاطر : ١١] الآية فإن ضمير عمره راجع إلى شخص بدون وصفه بمعمر إذ لا يتصور نقص عمر المعمر كما لا يخفى.