وروى محيي السنة الذين ظلموا أشركوا وهجوا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم وقرأ ابن عباس وابن أرقم عن الحسن «أي منفلت ينفلتون» بالفاء والتاء الفوقية من الانفلات بمعنى النجاة ، والمعنى إن الظالمين يطمعون أن ينفلتوا من عذاب الله تعالى وسيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات (وَسَيَعْلَمُ) هنا معلقة وأي استفهام مضاف إلى (مُنْقَلَبٍ) والناصب له (يَنْقَلِبُونَ) ، والجملة سادة مسد المفعولين كذا في البحر.
وقال أبو البقاء : أي منقلب مصدر نعت لمصدر محذوف والعامل (يَنْقَلِبُونَ) أي ينقلبون انقلابا أي منقلب ولا يعمل فيه يعلم لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله : وتعقب بأنه تخليط لأن أيا إذا وصف بها لم تكن استفهاما. وقد صرحوا بأن الموصوف بها قسيم الاستفهامية ، وتحقيق انقسام ـ أي ـ يطلب من كتب النحو والله تعالى أعلم.
ومما قيل في بعض الآيات من باب الإشارة (طسم) قال الجنيد : الطاء طرب التائبين في ميدان الرحمة. والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة والميم مقام المحبين في ميدان القربة ، وقيل : الطاء طهارة القدم من الحدثان والسين سناء صفاته تعالى التي تكشف في مرايا البرهان والميم مجده سبحانه الذي ظهر بوصف البهاء في قلوب أهل العرفان. وقيل : الطاء طهارة قلب نبيه صلّى الله تعالى عليه وسلّم عن تعلقات الكونين والسين سيادته صلّى الله تعالى عليه وسلّم على الأنبياء والمرسلين عليهمالسلام. والميم مشاهدته عليه الصلاة والسلام جمال رب العالمين ، وقيل : الطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم ، وقيل غير ذلك (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) إلخ فيه إشارة إلى كمال شفقته صلىاللهعليهوسلم على أمته وإن الحرص على إيمان الكافر لا يمنع سوابق الحكم (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) إلى آخر القصة فيه إشارة إلى حسن التعاضد في المصالح الدينية والتلطف بالضال في إلزامه بالحجج القطعية وأنه لا ينبغي عدم الاحتفال بمن ربيته صغيرا ثم رأيته وقد منحه الله تعالى ما منحه من فضله كبيرا ، وقال بعضهم : إن فيه إشارة إلى ما في الأنفس وجعل موسى إشارة إلى موسى القلب وفرعون إشارة إلى فرعون النفس وقومه إشارة إلى الصفات النفسانية وبني إسرائيل إشارة إلى الصفات الروحانية والفعلة إشارة إلى قتل قبطي الشهوة والعصا إشارة إلى عصا الذكر أعني لا إله إلا الله واليد إشارة إلى يد القدرة وكونها بيضاء إشارة إلى كونها مؤيدة بالتأييد الإلهي والناظرين إشارة إلى أرباب الكشف الذين ينظرون بنور الله تعالى والسحرة إشارة إلى الأوصاف البشرية والأخلاق الردية والناس إشارة إلى الصفات الناسوتية والأجر إشارة إلى الحظوظ الحيوانية والحبال إشارة إلى حبال الحيل والعصي إشارة إلى عصي التمويهات والمخيلات والمدائن إشارة إلى أطوار النفس وهكذا.
وعلى هذا الطريق سلكوا في الإشارة في سائر القصص. فجعلوا إبراهيم إشارة إلى القلب وأباه وقومه إشارة إلى الروح وما يتولد منها والأصنام إشارة إلى ما يلائم الطباع من العلويات والسفليات وهكذا مما لا يخفى على من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وللشيخ الأكبر قدسسره في هذه القصص كلام عجيب من أراده فليطلبه في كتبه وهو قدسسره ممن ذهب إلى أن خطيئة إبراهيم عليهالسلام التي أرادها بقوله : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) كانت إضافة المرض إلى نفسه في قوله : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) وقد ذكر قدسسره إنه اجتمع مع إبراهيم عليهالسلام فسأله عن مراده بها فأجابه بما ذكر. وقال في باب أسرار الزكاة من الفتوحات إن قول الرسول (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) لا يقدح في كمال عبوديته فإن قوله : ذلك لأن يعلم أن كل عمل خالص يطلب الأجر بذاته وذلك لا يخرج العبد عن أوصاف العبودية فإن العبد في صورة الأجير وليس بأجير حقيقة إذ لا يستأجر السيد عبده بل يستأجر الأجنبي وإنما العمل نفسه يقتضي الأجرة وهو لا يأخذها العامل وهو العبد فهو قابض الأجرة من الله تعالى فأشبه الأجير في قبض الأجرة وخالفه بالاستئجار ا ه.