الجماعة يكتفي في الاتصال بمجرد كون المستثنى من جنس المستثنى منه فإن كفى فذاك وإلا يلتزم إثبات الخوف ويجعل «بدل» عطفا على مستأنف محذوف كأنه قيل : إلا من فرطت منه صغيرة فإنه يخاف فمن فرط ثم تاب غفر له فلا يخاف. وحاصله إلا من ظلم فإنه يخاف أولا ويزول عنه الخوف بالتوبة آخرا ، وعن الفراء في رواية أخرى عنه أنه استثناء متصل من جملة محذوفة والتقدير وإنما يخاف غيرهم إلا من ظلم. ورده النحاس بأن الاستثناء من محذوف لا يجوز ولو جاز هذا لجاز أن يقال : لا تضرب القوم إلا زيدا على معنى وإنما اضرب غيرهم إلا زيدا وهذا ضد البيان والمجيء بما لا يعرف معناه انتهى وهو كما قال : ولا يجدي نفعا القول باعتبار مفهوم المخافة. وقالت فرقة : إن إلا بمعنى الواو والتقدير ولا من ظلم إلخ.
وتعقبه في البحر بأنه ليس بشيء للمباينة التامة بين إلا والواو فلا تقع إحداهما موقع الأخرى. وحسن الظن يجوز أنهم لم يصرحوا بكون إلا بمعنى الواو وإنما فهم من نسبه إليهم من تقديرهم وهو يحتمل أن يكون تقدير معنى لا إعراب فلا تغفل ، والظاهر انقطاع الاستثناء ، ولعل الأوفق بشأن المرسلين أن يراد بمن ظلم من ارتكب ذنبا كبيرا أو صغيرا من غيرهم ، و (ثُمَ) يحتمل أن تكون للتراخي الزمان فتفيد الآية المغفرة لمن بدل على الفور من باب أولى ، ويحتمل أن تكون للتراخي الرتبي وهو ظاهر بين الظلم والتبديل المذكور والتبديل قد يتعدى إلى مفعولين بنفسه نحو (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) [النساء : ٥٦] وقد يتعدى إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بالباء أو بمن وهو المذهوب به والمبدل منه نحو بدله بخوفه أو من خوفه أمنا وقد يتعدى إلى واحد نحو بدلت الشيء أي غيرته. (وَمِنْهُ) فمن بدل بعد ما سمعه والمعنى هنا على المتعدي إلى مفعولين. وقد تعدى إلى أحدهما. وهو المبدل منه بالباء أو بمن فكأنه قيل : ثم بدل بظلمه أو من ظلمه حسنا ، ويشير إليه قوله تعالى : (بَعْدَ سُوءٍ) وحاصله ثم ترك الظلم وأتى بحسن ، والمراد به التوبة. فيكون المعنى في الآخرة إلا من ظلم ثم تاب وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل لأنه أوفق بمقام الإيناس كذا قيل ، والظاهر عليه أن إسناد التبديل إلى من ظلم حقيقي ، وقيل : إن المعنى ثم رفع الظلم والسوء ومحاه من صحيفة أعماله ووضع مكانه الحسن بسبب توبته نظير ما في قوله تعالى : (يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) [الفرقان : ٧٠] ، وإسناد التبديل إلى من ظلم على هذا مجازي لأنه سبب لتبديل الله تعالى له بتوبته ، وكأني بك تختار الأول ، ومحل «من» على كل من تقديري انقطاع الاستثناء واتصاله ظاهر. والظاهر أنها موصولة في التقديرين. ولا يخفى أنها إذا اعتبرت منصوبة المحل على الاستثناء أو مرفوعته على البدل تكون جملة «فإني» إلخ مستأنفة. ومن قدر في الكلام محذوفا عطف عليه (بَدَّلَ) ، وقال : التقدير من ظلم ثم بدل جعل الجملة خبر من ، وجوز بعضهم أن تكون شرطية وجملة (فَإِنِّي) إلخ جوابها فتأمل ولا تغفل. وقرأ أبو جعفر وزيد بن أسلم «ألا من ظلم» بفتح الهمزة وتخفيف اللام على أن (إِلَّا) حرف استفتاح. وجعل أبو حيان (مَنْ) على هذه القراءة شرطية ولا أراه واجبا وقرأ محمد بن عيسى الأصبهاني «حسنى» على وزن فعلى ممنوع الصرف. وقرأ ابن مقسم «حسنا» بضم الحاء والسين منونا.
وقرأ مجاهد وأبو حيوة وابن أبي علي والأعمش وأبو عمرو في رواية الجعفي وعصمة وعبد الوارث وهارون وعياش «حسنا» بفتح الحاء والسين مع التنوين (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) أي جيب قميصك وهو مدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر لا ما يوضع فيه الدراهم ونحوها كما هو معروف الآن لأنه مولد ، ولم يقل سبحانه في كمك لأنه عليهالسلام كان لابسا إذ ذاك مدرعة من صوف لا كم لها ، وقيل : الجيب القميص نفسه لأنه يجاب أي يقطع فهو فعل بمعنى مفعول ، وقال السدي : (فِي جَيْبِكَ) أي تحت إبطك.
ولعل مراده أن المعنى أدخلها في جيبك وضعها تحت إبطك ، وكانت مدرعته عليهالسلام على ما روى عن