صلىاللهعليهوسلم لأصحابه عام تبوك «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين» الحديث. وهي بوادي القرى بين المدينة والشام (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من التدمير العجيب بظلمهم (لَآيَةً) لعبرة عظيمة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي ما من شأنه أن يعلم من الأشياء أو لقوم يتصفون بالعلم ، وقيل : لقوم يعلمون هذه القصة وليس بشيء ، وفي هذه الآية على ما قيل دلالة على الظلم يكون سببا لخراب الدور.
وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية ، وفي التوراة ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك ، قيل وهو إشارة إلى هلاك الظالم إذ خراب بيته متعقب هلاكه ، ولا يخفى أن كون الظلم بمعنى الجور والتعدي على عباد الله تعالى سببا لخراب البيوت مما شوهد كثيرا في هذه الأعصار ، وكونه بمعنى الكفر كذلك ليس كذلك. نعم لا يبعد أن يكون على الكفرة يوم تخرب فيه بيوتهم إن شاء الله تعالى (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) صالحا ومن معه من المؤمنين (وَكانُوا يَتَّقُونَ) من الكفر والمعاصي اتقاء مستمرا فلذا خصوا بالنجاة ، روي أن الذين آمنوا به عليهالسلام كانوا أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وحين دخلها مات ولذلك سميت بهذا الاسم وبنى المؤمنون بها مدينة يقال لها حاضورا ، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر (وَلُوطاً) منصوب بمضمر معطوف على «أرسلنا» في صدر قصة صالح عليهالسلام داخل معه في حيز القسم أي وأرسلنا لوطا (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) ظرف للإرسال على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الإرسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال. وجوز أن يكون منصوبا بإضمار اذكر معطوفا على ما تقدم عطف قصة على قصة و (إِذْ) بدل منه بدل اشتمال وليس بذاك. وقيل : هو معطوف على (صالِحاً). وتعقب بأنه غير مستقيم لأن صالحا بدل أو عطف بيان لأخاهم وقد قيد بقيد مقدم عليه وهو «إلى ثمود» فلو عطف عليه تقيد به ولا يصح لأن لوطا عليهالسلام لم يرسل إلى ثمود وهو متعين إذا تقدم القيد بخلاف ما لو تأخر ، وقيل إن تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد لكنه خلاف المألوف في الخطابيات وارتكاب مثله تعسف لا يليق ، وجوز أن يكون عطفا على الذين آمنوا.
وتعقب بأنه لا يناسب أساليب سرد القصص من عطف إحدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى وذيلها كما لا يخفى (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) أي أتفعلون الفعلة المتناهية في القبح والسماجة ، والاستفهام إنكاري.
وقوله تعالى : (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) جملة حالية من فاعل (تَأْتُونَ) مفيدة لتأكيد الإنكار فإن تعاطي القبيح من العالم بقبحه أقبح وأشنع ، و (تُبْصِرُونَ) من بصر القلب أي أتفعلونها والحال أنتم تعلمون علما يقينيا كونها كذلك. (١) ويجوز أن يكون من بصر العين أي وأنتم ترون وتشاهدون كونها فاحشة على تنزيل ذلك لظهوره منزلة المحسوس ، وقيل : مفعول (تُبْصِرُونَ) من المحسوسات حقيقة أي وأنتم تبصرون آثار العصاة قبلكم أو وأنتم ينظر بعضكم بعضا لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك لعدم اكتراثكم به ، ووجه إفادة الجملة على الاحتمالين تأكيد الإنكار أيضا ظاهر ، وقوله تعالى : (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً) تثنية للإنكار وبيان لما يأتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام ، وتحلية الجملة بحرفي التأكيد للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد لكمال شناعته ، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية لتربيته التقبيح وبيان اختصاصه ببني آدم ، وتعليل الإتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح لما أنها ليست في محلها ، وفيه إشارة إلى أنهم مخطئون في محلها فعلا ، وفي قوله تعالى : (مِنْ دُونِ
__________________
(١) تم الجزء التاسع عشر من تفسير روح المعاني ويليه إن شاء الله تعالى الجزء العشرون وأوله فما كان جواب قومه