السلام بالأمر والنهي لا أنه لم يصدر عنهم كلام آخر غيره (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) أي بعد إهلاك القوم فالفاء فصيحة (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها) أي قدرنا كونها (مِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين في العذاب ، وقدر المضاف لأن التقدير يتعلق بالفعل لا بالذات ، وجاء في آية أخرى ما يقتضي ذلك ، وهو قوله تعالى : (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [الحجر : ٦٠].
وقرأ أبو بكر «قدرناها» بتخفيف الدال (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) غير معهود (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) أي فبئس مطر المنذرين مطرهم ، وقد مر مثل هذا فارجع إلى ما ذكرناه عنده.
(قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) إثر ما قص سبحانه وتعالى على رسولهصلىاللهعليهوسلم قصص الأنبياء المذكورين وأخبارهم الناطقة بكمال قدرته تعالى وعظم شأنه سبحانه وبما خصهم به من الآيات القاهرة والمعجزات الباهرة الدالة على جلالة أقدارهم وصحة أخبارهم ، وقد بين على ألسنتهم صحة الإسلام والتوحيد وبطلان الكفر والإشراك وأن من اقتدى بهم فقد اهتدى ومن أعرض عنهم فقد تردى في مهاوي الردى ، وشرح صدره الشريف صلّى الله تعالى عليه وسلّم بما في تضاعيف تلك القصص من فنون المعارف الربانية ، ونور قلبه بأنوار الملكات السبحانية الفائضة من عالم القدس ، وقرر بذلك فحوى قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) [النمل : ٦].
أمر صلّى الله تعالى عليه وسلّم أن يحمده بأتم وجه على تلك النعم ويسلم على كافة الأنبياء عليهمالسلام الذين من جملتهم من قصت أخبارهم وشرحت آثارهم عرفانا لفضلهم وأداء لحق تقدمهم واجتهادهم في الدين ، فالمراد بالعباد المصطفين الأنبياء عليهمالسلام لدلالة المقام ، وقوله تعالى في آية أخرى : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ١٨١] ، وقيل : هذا أمر له صلّى الله تعالى عليه وسلّم بحمده تعالى على هلاك الهالكين من كفار الأمم ، والسلام على الأنبياء وأتباعهم الناجين صلّى الله تعالى عليهم وسلم ، والسلام على غير الأنبياء عليهمالسلام إذا لم يكن استقلالا مما لا خلاف في جوازه ، ولعل المنصف لا يرتاب في جوازه على عباد الله تعالى المؤمنين مطلقا ، وقيل : أمر له عليه الصلاة والسلام بالحمد على ما خصه جل وعلا به من رفع عذاب الاستئصال عن أمته ومخالفتهم لمن قبلهم ممن ذكرت قصته من الأمم المستأصلة بالعذاب ، وبالسلام على الأنبياء الذين صبروا على مشاق الرسالة.
فالمراد بالمصطفين الأنبياء خاصة ، وأخرج عبد بن حميد والبزار وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس أنه قال فيهم : هم أصحاب محمد صلّى الله تعالى عليه وسلّم اصطفاهم الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سفيان الثوري أنه قال في (وَسَلامٌ) إلخ : نزلت في أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم خاصة. وهذا ظاهر في القول بجواز السلام على غير الأنبياء استقلالا كما هو مذهب الحنابلة وغيرهم، والكلام على جميع هذه الأقوال متصل بما قبله ، وجعله الزمخشري من باب الاقتضاب كأنه خطبة مبتدأة حيث قال : أمر رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته تعالى وقدرته على كل شيء وحكمته أعني قوله سبحانه : (آللهُ) إلخ ، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن وتوقيف على أدب جميل وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع ، ولقد توارثت العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب فحمدوا الله تعالى وصلوا على رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم أمام كل علم مفاد وقبل كل موعظة وتذكرة وفي مفتتح كل خطبة ، وتبعهم المتراسلون فآجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها