أنه قرأ واتل هذا القرآن ، ولا تأييد فيه لما ذكرنا. وقرأ عبد الله وأن اتل بغير واو أمرا من تلا فجاز أن تكون أن مصدرية وصلت بالأمر ، وجاز أن تكون مفسرة على إضمار أمرت (فَمَنِ اهْتَدى) أي بالإيمان بالقرآن والعمل بما فيه من الشرائع والأحكام ، وقيل أي بالاتباع فيما ذكر من العبادة والإسلام ، وتلاوة القرآن أو اتباعه (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي فإنما منافع اهتدائه تعود إليه (وَمَنْ ضَلَ) بالكفر به والإعراض عنه ، وقيل بالمخالفة فيما ذكر (فَقُلْ) أي له.
(إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) وقد خرجت عن عهدة الإنذار فليس عليّ من وبال ضلالك شيء وإنما هو عليك فقط ويعلم مما ذكرنا أن جواب الشرط جملة القول وما في حيزه والرابط المشترط في مثله محذوف وقدره بعضهم بعد المنذرين أي من المنذرين إياه ، وجوز أبو حيان كون الجواب محذوفا أي من ضل فوبال ضلاله مختص به وحذف ذلك لدلالة جواب مقابله عليه ، وجوز بعضهم كون الجملة بعد هي الجواب ولكونها كناية تعريضية عما قدره أبو حيان لم تحتج إلى رابط ثم إن ظاهر التصريح بقل هنا يقتضي أن يكون فمن اهتدى إلخ من كلامه عزوجل عقب به أمره صلى الله تعالى عليه وسلّم بأن يقول لهم ما قبله ، ولا بعد في كونه من مقول القول المقدر قبل قوله تعالى : (إِنَّما أُمِرْتُ) كما سمعت (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على ما أفاض عليّ من نعمائه التي من أجلها نعمة النبوة المستتبعة لفنون النعم الدينية والدنيوية ووفقني لتحمل أعبائها وتبليغ أحكامها بالآيات البينة والبراهين النيرة ، وقوله تعالى : (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ) من جملة الكلام المأمور به أي قل سيريكم آياته سبحانه : (فَتَعْرِفُونَها) أي فتعرفون أنها آيات الله تعالى حيث لا تنفعكم المعرفة ، وقيل : أي سيريكم في الدنيا والمراد بالآيات الدخان وما حل بهم من نقمات الله تعالى وعد منها قتل يوم بدر واعتراف المقتولين بذلك بالفعل واعتراف غيرهم بالقوة ، وقيل : هي خروج الدابة وسائر أشراط الساعة والخطاب لجنس الناس لا لمن في عهد النبوة.
وأخرج ابن أبي حاتم وجماعة عن مجاهد أن المراد بالآيات الأنفسية والآفاقية فالآية كقوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] ، وقيل : المراد بها معجزات الرسول صلّى الله تعالى عليه وسلّم وإضافتها إلى ضميره تعالى لأنها فعله عزوجل أظهرها على يد رسوله عليه الصلاة والسلام للتصديق ، والمراد بالمعرفة ما يجامع الجحود ، وقوله تعالى : (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) كلام مسوق من جهته سبحانه بطريق التذييل مقرر لما قبله متضمن للوعد والوعيد كما ينبئ عنه إضافة الرب إلى ضميره صلّى الله تعالى عليه وسلم وتخصيص الخطاب أولا به عليه الصلاة والسلام وتعميمه ثانيا للكفرة تغليبا أي وما ربك بغافل عما تعمل أنت من الحسنات وما تعملون أنتم أيها الكفرة من السيئات فيجازي كلا منكم بعمله لا محالة ، وقرأ الأكثر يعملون بياء الغيبة فهو وعيد محض والمعنى وما ربك بغافل عن أعمالهم فسيعذبهم البتة فلا يحسبوا أن تأخير عذابهم لغفلة سبحانه عن أعمالهم الموجبة له ومن تأمل في الآيات ظهر له أن هذه الخاتمة مما تدهش العقول وتحير الأفهام ولله تعالى در التنزيل وما ذا عسى يقال في كلام الملك العلام.
ومن باب الإشارة في الآيات ما قيل وأنزل من السماء أي سماء القلب ماء هو ماء نظر الرحمة فأنبتنا به حدائق ذات بهجة من العلوم والمعاني والأسرار والحكم البالغة ، ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أي أصولها لما أن العلوم الإلهية غير اختيارية بل كل علم ليس باختياري في نفسه وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه نعم هو اختياري باعتبار الأسباب (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ) أي أرض النفس قرارا في الجسد (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) من دواعي البشرية (وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ) من قوى البشرية والحواس (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ) بحر الروح وبحر النفس (حاجِزاً) وهو القلب (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) وهو المستعد لشيء من الأشياء (إِذا دَعاهُ) بلسان الاستعداد وطلب منه تعالى ما