على أرض مصر يتصرفون وينفذ أمرهم فيها كيفما يشاءون ، وظاهر كلام بعضهم أن المراد بالأرض ما يعم مصر والشام مع أن المعهود هو أرض مصر لا غير وكأن ذلك لما أن الشام مقر بني إسرائيل. وقرأ الأعمش ولنمكن بلام كي أي وأردنا ذلك لنمكن أو ولنمكن فعلنا ذلك.
(وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) إضافة الجنود إلى ضميرهما إما للتغليب أو لأنه كان لهامان جند مخصوصون به وإن كان وزيرا أو لأن جند السلطان جند الوزير ، ونري من الرؤية البصرية على ما هو المناسب للبلاغة ، وجوز أن يكون من الرؤية القلبية التي هي بمعنى المعرفة ، وعلى الوجهين هو ناصب لمفعولين لمكان الهمزة ففرعون وما عطف عليه مفعوله الأول ، وقوله تعالى : (مِنْهُمْ) أي من أولئك المستضعفين متعلق به ، وقوله تعالى : (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) أي يتوقون من ذهاب ملكهم وهلكهم على يد مولود منهم مفعوله الثاني ، والرؤية على تقدير كونها بصرية لمقدمات ذلك وعلاماته في الحقيقة لكنها جعلت له مبالغة ومثله مستفيض بينهم حتى يقال رأى موته بعينه وشاهد هلاكه وعليه قول بعض المتأخرين :
أبكاني البين حتى |
|
رأيت غسلي بعيني |
وقيل : المراد رؤية وقت ذلك ، وليس بذاك ، والأمر على تقدير كونها بمعنى المعرفة ظاهر. لأنهم قد عرفوا ذهاب ملكهم وهلاكهم ، لما شاهدوه من ظهور أولئك المستضعفين عليهم ، وطلوع طلائعه من طرق خذلانهم. وفسر بعضهم الموصول بظهور موسى عليهالسلام ، وهو خلاف الظاهر المؤيد بالآثار وكأن ذلك منه لخفاء وجه تعلق رؤية فرعون ومن معه بذهاب ملكهم وهلكهم عليه وقد علمت وجهه ، وقرأ عبد الله وحمزة والكسائي ـ ويرى ـ بالياء مضارع رأى ، وفرعون بالرفع على الفاعلية ، وكذا ما عطف عليه (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) قيل هي محيانة بنت يصهر بن لاوى ، وقيل يوخابذ (١) وقيل يارخا وقيل يارخت ، وقيل غير ذلك. والظاهر أن الإيحاء إليها كان بإرسال ملك ، ولا ينافي حكاية أبي حيان الإجماع على عدم نبوتها ، لما أن الملائكة عليهمالسلام قد ترسل إلى غير الأنبياء وتكلمهم ، وإلى هذا ذهب قطرب وجماعة وقال مقاتل منهم : إن الملك المرسل إليها هو جبريل عليهالسلام. وعن ابن عباس وقتادة أنه كان إلهاما ، ولا يأباه قوله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) نعم هو أوفق بالأول. وقال قوم : إنه كان رؤيا منام صادقة قص فيها أمره عليهالسلام ، وأوقع الله تعالى في قلبها اليقين. وحكي عن الجبائي أنها رأت في ذلك رؤيا ، فقصتها على من تثق به من علماء بني إسرائيل فعبرها لها. وقيل كان بإخبار نبي في عصرها إياها ، والظاهر أن هذا الإيحاء كان بعد الولادة ، وفي الأخبار ما يشهد له ، فيكون في الكلام جملة محذوفة ، وكأن التقدير والله تعالى أعلم : ووضعت موسى أمه في زمن الذبح فلم تدر ما تصنع في أمره وأوحينا إليها (أَنْ أَرْضِعِيهِ) وقيل : كان قبل الولادة ، وأن تفسيرية أو مصدرية ، والمراد أن أرضعيه ما أمكنك إخفاؤه. وقرأ عمر بن عبد الواحد وعمر بن عبد العزيز أن أرضعيه بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس لأن القياس فيه نقل حركتها وهي الفتحة إلى النون كما في قراءة ورش.
(فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) من جواسيس فرعون ونقبائه الذين يقتلون الأبناء ، أو من الجيران ونحوهم أن ينموا عليه (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) أي في البحر. والمراد به النيل ، ويسمى مثله بحرا ، وإن غلب في غير العذب (وَلا تَخافِي) عليه ضيعة أو شدة من عدم رضاعه في سن الرضاع (وَلا تَحْزَنِي) من مفارقتك إياه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) عن قريب
__________________
(١) قوله يوخابذ هو هكذا في نسخة المؤلف بالخاء المعجمة والباء وحرره ا ه.