حاف لا يطعم إلا ورق الشجر وعن سعيد بن جبير أنه عليهالسلام لم يصل حتى سقط خف قدميه ، وروي أنه عليهالسلام أخذ يمشي من غير معرفة فهداه جبريل عليهالسلام إلى مدين ، وعن السدي أنه عليهالسلام أخذ في بنيات الطريق فجاءه ملك على فرس بيده عنزة فلما رآه موسى عليهالسلام سجد له أي خضع من الفرق ، فقال : لا تسجد لي ولكن اتبعني فتبعه وانطلق حتى انتهى به إلى مدين.
(وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) أي وصل إليه وورد. الورود بمعنى الدخول وبمعنى الشرب وليس شيء منهما مرادا والمراد بماء مدين بئر كانوا يسقون منها ، فهو مجاز من إطلاق الحال وإرادة المحل (وَجَدَ عَلَيْهِ) أي فوق شفيره ومستقاه (أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) أي جماعة كثيرة مختلفي الأصناف ، ويشعر بالقيد الأول التنوين ، وبالثاني من الناس لشموله للأصناف المختلفة وهي فائدة ذكره ، وقيل فائدته تحقير أولئك الجماعة وأنهم لئام لا يعرفون بغير جنسهم أو محتاجون إلى بيان أنهم من البشر (يَسْقُونَ) الظاهر أنهم كانوا يسقون مواشي مختلفة الأنواع بمعنى أن منهم من كان يسقي إبلا ومنهم من كان يسقي غنما وهكذا ، وتخصص سقيهم بنوع يحتاج إلى توقيف (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ) أي في مكان أسفل من مكانهم ، وقيل من قربهم أو من سواهم أو مما يلي جهته إذا قدم عليهم وإلى هذا الأخير ذهب ابن عطية حيث قال : المعنى ووجد من الجهة التي وصل إليها قبل أن يصل إلى الأمة (امْرَأَتَيْنِ) اسم إحداهما قيل ليا وقيل عبرا وقيل شرفا ، واسم الأخرى قيل صفوريا وقيل صفوراء وقيل صفيراء ، وفي الكشاف صفيراء اسم الصغرى واسم الكبرى صفراء (تَذُودانِ) كانتا تمنعان غنمهما عن الماء خوفا من السقاة الأقوياء قاله ابن عباس وغيره ، وقيل تمنعان غنمهما عن التقدم إلى البئر لئلا تختلط بغيرها. وحكي ذلك عن الزجاج ، وقال قتادة : تمنعان الناس عن غنمهما ، وقال الفراء : تحبسان غنمهما عن أن تتفرق ، وفي جميع هذه الأقوال تصريح بأن المذود كان غنما ، والظاهر أن ذلك عن توقيف ، وقيل تذودان عن وجوههما نظر الناظرين لتسترهما وهذا كما ترى (قالَ ما خَطْبُكُما) أي ما مخطوبكما ومطلوبكما مما أنتما عليه من التأخر والذود ولم لا تباشران السقي كغيركما؟. وأصل الخطب مصدر خطب بمعنى طلب ثم استعمل بمعنى المفعول. وفي سؤاله عليهالسلام إياهما دليل على جواز مكالمة الأجنبية فيما يعني.
وقرأ شمر «ما خطبكما» بكسر الخاء ، قال في البحر : أي من زوجكما؟. ولم لا يسقي هو؟. وهذه قراءة شاذة نادرة اه. ولا يخفى ما فيه وإباء الجواب عنه. وقال بعضهم : الخطب فيها بمعنى المخطوب والمطلوب كما في القراءة المتواترة ، ونظيره الحب بكسر الحاء المهملة بمعنى المحبوب (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) أي عادتنا أن لا نسقي حتى يصرف الرعاة مواشيهم بعد ريها عن الماء عجزا عن مساجلتهم لا أنا لا نسقي اليوم إلى تلك الغاية. وقرأ ابن مصرف «لا نسقي» بضم النون من الاسقاء ، وقرأ أبو جعفر ، وشيبة ، والحسن وقتادة ، والعربيان : ابن عامر ، وأبو عمرو «يصدر» بفتح الياء وضم الدال أي حتى يصدر الرعاة بأغنامهم. وسأل بعض الملوك عن الفرق بين القراءتين من حيث المعنى. فأجيب بأن قراءة يصدر بفتح الياء تدل على فرط حيائهما وتواريهما من الاختلاط بالأجانب ، وقراءة يصدر بضم الياء تدل على إصدار الرعاة المواشي ولم يفهم منها صدورهم عن الماء. وقرئ بزاي خالصة وبحرف بين الصاد والزاي ، وقرئ الرعاء بضم الراء والمعروف في صيغ الجمع فعال بكسر الفاء كما في قراءة الجمهور ، وأما فعال بالضم فعلى خلاف القياس لأنه من أبنية المصادر والمفردات كنباح وصراخ ، وإذا استعمل في معنى الجمع كما في القراءة الشاذة فقيل هو اسم جمع لا جمع وقيل إنه جمع أصلي وقيل إنه جمع ولكن الأصل فيه الكسر ، والضم فيه بدل من الكسر كما أنه بدل من الفتح في نحو سكارى ، والوارد منه في كلام العرب ألفاظ محصورة ذكرها الخفاجي في شرح درة الغواص والمشهور منها على ما قال ثمانية ، وقد نظمها صدر الأفاضل لا الزمخشري على الأصح بقوله :