(ما كانُوا يَفْتَرُونَ) في الدنيا من الباطل (إِنَّ قارُونَ) اسم أعجمي منع الصرف للعلمية والعجمة (كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) أي من بني إسرائيل كما هو الظاهر ، وحكى ابن عطية الإجماع عليه ، واختلف في جهة قرابته من موسى عليهالسلام فروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن جريج وقتادة وإبراهيم أنه ابن عم موسى عليهالسلام فموسى بن عمران بن قاهث بقاف وهاء مفتوحة وثاء مثلثة ابن لاوي بالقصر ابن يعقوب عليهالسلام وهو ابن يصهر بياء تحتية مفتوحة وصاد مهملة ساكنة وهاء مضمومة ابن قاهث إلخ.
وفي مجمع البيان عن عطاء عن ابن عباس أنه ابن خالة موسى عليهالسلام ، وروي ذلك عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه.
وحكي عن محمد بن إسحاق أنه عم موسى عليهالسلام وهو ظاهر على قول من قال : إن موسى عليهالسلام ابن عمران بن يصهر بن قاهث وهو ابن يصهر بن قاهث وكان يسمى المنور لحسن صورته وكان أحفظ بني إسرائيل للتوراة وأقرأهم لكنه نافق كما نافق السامري ؛ وقال : إذا كانت النبوة لموسى والمذبح والقربان لهارون فما لي؟ وروي أنه لما جاوز بهم موسى عليهالسلام البحر وصارت الرسالة والحبورة لهارون يقرب القربان ويكون رأسا فيهم وكان القربان إلى موسى عليهالسلام فجعله لأخيه هارون وجد قارون في نفسه فحسدهما فقال لموسى الأمر لكما ولست على شيء إلى متى أصبر قال موسى عليهالسلام هذا صنع الله تعالى قال والله تعالى لا أصدقك حتى تأتي بآية فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل واحد بعصاه فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها وكانوا يحرسون عصيهم بالليل فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال قارون : ما هو بأعجب مما تصنع من السحر (فَبَغى عَلَيْهِمْ) فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره أو تكبر عليهم وعد من تكبره أنه زاد في ثيابه شبرا أو ظلمهم وطلب ما ليس حقه قيل : وذلك حين ملكه فرعون على بني إسرائيل.
وقيل : حسدهم وطلب زوال نعمهم ، وذلك ما ذكر منه في حق موسى وهارون عليهماالسلام ، والفاء فصيحة أي ضل فبغى ، وجوز أن تكون على ظاهرها لأن القرابة كثيرا ما تدعو إلى البغي (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ) أي الأموال المدخرة فهو مجاز بجعل المدخر كالمدفون إن كان الكنز مخصوصا به ، وحكي في البحر أنه سميت أمواله كنوزا لأنها لم تؤد منها الزكاة وقد أمره موسى عليهالسلام بأدائها فأبى وهو من أسباب عداوته إياه ، وقيل : الكنوز هنا الأموال المدفونة وكان كما روي عن عطاء قد أظفره الله تعالى بكنز عظيم من كنوز يوسف عليهالسلام (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) أي مفاتح صناديقه فهو على تقدير مضاف أو الإضافة لأدنى ملابسة وهو جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به.
وقال السدي : أي خزائنه وفي معناه قول الضحاك أي ظروفه وأوعيته ، وروي نحو ذلك عن ابن عباس ، والحسن وقياس واحده على هذا المفتح بالفتح لأنه اسم مكان ، ويؤيد ما تقدم قراءة الأعمش مفاتيحه بياء جمع مفتاح و (ما) موصولة ثاني مفعولي آتى ومفاتحه اسم إن وقوله تعالى : (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) خبرها والجملة صلة ما والعائد الضمير المجرور ، ومنع الكوفيون جواز كون الجملة المصدرة بأن صلة للموصول ، قال النحاس : سمعت علي بن سليمان ـ يعني الأخفش الصغير ـ يقول ما أقبح ما يقوله الكوفيون في الصلات إنه لا يجوز أن تكون صلة الذي إن وما عملت فيه وفي القرآن ما إن مفاتحه انتهى ، ولا يخفى أن المانع من ذلك إن كان عدم السماع فالرد عليهم لا يتم إلا بشاهد لا يحتمل غير ذلك و (ما) في الآية تحتمل أن تكون نكرة موصوفة وإن كان المانع كون إن تقع في ابتداء الكلام فلا ترتبط الجملة المصدرة بها بما قبلها فالرد بالآية المذكورة عليهم تام لأن المانع المذكور كما يمنع كون