الجملة صلة يمنع كونها صفة فتدبر ، و (تنوء) من ناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله فالباء للتعدية كما في ذهبت به ، والعصبة الجماعة الكثيرة من غير تعيين لعدد خاص على ما ذكره الراغب ، ومن أهل اللغة من عين لها مقدارا واختلفوا فيه فقيل من عشرة إلى خمسة عشر وهو مروي هنا عن مجاهد ، وقيل : ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين وروي ذلك عن الكلبي ، وقيل : ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وقيل : من عشرة إلى أربعين وروي هذا عن قتادة وقيل : أربعون ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وقيل : سبعون ، وروي ذلك عن أبي صالح مولى أم هانئ وقال الخفاجي : قد يقال إن أصل معناها الجماعة مطلقا كما هو مقتضى الاشتقاق ثم إن العرف خصها بعدد واختلف فيه أو اختلف بحسب موارده ، وقال أبو زيد : تنوء من نؤت بالحمل إذا نهضت به قال الشاعر :
تنوء بأخراها فلأيا قيامها |
|
وتمشي الهوينا عن قريب فتبهر |
وفي الآية على هذا قلب عند أبي عبيدة ومن تبعه والأصل تنوء العصبة بها أي تنهض ، وقيل : يجوز أن لا يكون هناك قلب لأن المفاتح تنهض ملابسة للعصبة إذا نهضت العصبة بها ، والأولى ما قدمناه أولا وهو منقول عن الخليل وسيبويه والفراء واختاره النحاس ، وروي معناه عن ابن عباس وأبي صالح والسدي ، وقرأ بديل بن ميسرة «لينوء» بالياء التحتية ، وخرج ذلك أبو حيان على تقدير مضاف مذكر يرجع إليه الضمير أي ما إن حمل مفاتحه أو مقدارها أو نحو ذلك ، وقال ابن جني : ذهب بالتذكير إلى ذلك القدر والمبلغ فلاحظ معنى الواحد فحمل عليه ونحوه ، قول الراجز :
مثل الفراخ نتفت حواصله
أي حواصل ذلك أو حواصل ما ذكرنا ، وقال الزمخشري : وجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن ويعطيها حكم ما أضيفت إليه للملابسة والاتصال كقولك ذهبت أهل اليمامة انتهى ، وإنما فسر المفاتح بالخزائن دون ما يفتح به ليتم الاتصال فإن اتصال الخزائن بالمخزون فوق اتصال المفاتيح به بل لا اتصال للثاني وحينئذ يكتسي التذكير من المضاف إليه كما اكتسى التأنيث من عكسه كالمثال الذي ذكره ، وما تقدم عن غيره أولى. قال في الكشف لأن تفسير المفاتح بالخزائن ضعيف جدا لفوات المبالغة ، وقيل : إن المفاتح بذلك المعنى غير معروف وقد سمعت أنه تفسير مأثور فإذا صح ذلك فلا يلتفت إلى ما ذكر من هذا وكلام الكشف ، وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ «ما إن مفتاحه» على الإفراد فلا تحتاج قراءته «لينوء» بالياء إلى تأويل ، وقد بولغ في كثرة مفاتيحه فروي عن خيثمة أنها كانت وقر ستين بغلا أغر محجلا ما يزيد منها مفتاح على إصبع لكل مفتاح كنز ، وفي رواية أخرى عنه كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كل مفتاح على خزانة على حدة فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلا أغر محجلا.
وفي البحر ذكروا من كثرة مفاتحه ما هو كذب أو يقارب الكذب فلم أكتبه ، ومما لا مبالغة فيه ما روي عن ابن عباس من أن المفاتح الخزائن وكانت خزائنه يحملها أربعون رجلا أقوياء وكانت أربعمائة ألف يحمل كل رجل عشرة آلاف وعليه فأمثال قارون في الناس أكثر من خزائنه ، ولعل الآية تشير إلى ما أوتيه فوق ذلك ، ولا أظن الأمر كما روي عن خيثمة ، وأبعد أبو مسلم في تفسير الآية فقال : المراد من المفاتح العلم والإحاطة كما في قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩] والمراد وآتيناه من الكنوز ما إن حفظها والاطلاع عليها ليثقل على العصبة أي هذه الكنوز لكثرتها واختلاف أصنافها تتعب حفظتها القائمين على حفظها (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ).
قال الزمخشري : هو متعلق بتنوء وضعف بأن أثقال المفاتح العصبة ليس مقيدا بوقت قول قومه ، وقال ابن عطية :