الفراء : ويك في كلام العرب كقول الرجل : ألا ترى إلى صنع الله تعالى شأنه ، وقال أبو زيد وفرقة معه : وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويكأنّ حرف واحد بجملته وهو بمعنى ألم تر.
(لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بعدم إعطائه تعالى ما تمنيناه من إعطائنا مثل ما أعطاه قارون (لَخَسَفَ بِنا) أي الأرض كما خسف به أو لو لا أن من الله تعالى علينا بالتجاوز عن تقصيرنا في تمنينا ذلك لخسف بنا جزاء ذلك كما خسف به جزاء ما كان عليه. وقرأ الأعمش «لو لا منّ» بحذف (أَنْ) وهي مرادة ، وروي عنه من الله برفع من والإضافة.
وقرأ الأكثر «لخسف بنا» على البناء للمفعول و (بِنا) هو القائم مقام الفاعل ، وجوز أن يكون ضمير المصدر أي لخسف هو أي الخسف بنا على معنى لفعل الخسف بنا ، وقرأ ابن مسعود وطلحة والأعمش «لا نخسف بنا» على البناء للمفعول أيضا و (بِنا) أو ضمير المصدر قائم مقام الفاعل ، وعنه أيضا «لتخسّف» بتاء وشد السين مبنيّا للمفعول (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) لنعمة الله تعالى أو المكذبون برسله عليهمالسلام وبما وعدوا من ثواب الآخرة ، والكلام في ـ ويكأنّ ـ هنا كما تقدم بيد أنه جوز هنا أن يكون لأن على بعض الاحتمالات تعليلا لمحذوف بقرينة السياق أي لأنه لا يفلح الكافرون فعل ذلك أي الخسف بقارون ، واعتبار نظيره فيما سبق دون اعتبار هذا هنا ، وضمير ويكأنّه للشأن.
هذا وفي مجمع البيان أن قصة قارون متصلة بقوله تعالى : (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى) [القصص : ٣] عليهالسلام ، وقيل : هي متصلة بقوله سبحانه : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) ، وقيل : لما تقدم خزي الكفار وافتضاحهم يوم القيامة ذكر تعالى عقيبه أن قارون من جملتهم وأنه يفتضح يوم القيامة كما افتضح في الدنيا ، ولما ذكر سبحانه فيما تقدم قول أهل العلم (ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) ذكر محل ذلك الثواب بقوله عزوجل : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) مشيرا إشارة تعظيم وتفخيم إلى ما نزل لشهرته منزلة المحسوس المشاهد كأنه قيل : تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها ، و (الدَّارُ) صفة لاسم الإشارة الواقع مبتدأ وهو يوصف بالجامد ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي نعيم الدار كما يوهمه كلام البحر ، و (الْآخِرَةُ) صفة للدار ، والمراد بها الجنة وخبر المبتدأ قوله تعالى : (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أي غلبة وتسلطا (وَلا فَساداً) أي ظلما وعدوانا على العباد كدأب فرعون وقارون ، وليس الموصول مخصوصا بهما ، وفي إعادة (لا) إشارة إلى أن كلا من العلو والفساد مقصود بالنفي ، وفي تعليق الموعد بترك إرادتهما لا بترك أنفسهما من مزيد تحذير منهما.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قال : العلو في الأرض التكبر وطلب الشرف والمنزلة عند سلاطينها وملوكها والفساد العمل بالمعاصي وأخذ المال بغير حقه.
وعن الكلبي العلو الاستكبار عن الإيمان والفساد الدعاء إلى عبادة غير الله تعالى ، وروي عن مقاتل تفسير العلو بما روي عن الكلبي ، وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي كرّم الله تعالى وجهه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبقال والبياع فيفتتح عليه القرآن ويقرأ تلك الدار الآخرة إلى آخرها ، ويقول : نزلت هذه الآية (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) إلخ ، في أهل العدن والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أنه لما دخل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض ، فقال عليه الصلاة والسلام أشهد أنك لا تبغي علوا في الأرض ولا فسادا فأسلم رضي الله تعالى