فتركته جزر السباع ينشنه |
|
يقضمن قلة رأسه والمعصم |
فضمير الجمع نائب مفعول أول والمفعول الثاني متروك بدلالة الحال الآتية أي كما هم أو على ما هم عليه كما في قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا) [التوبة : ١٦] على ما قدره الزمخشري فيه وقوله سبحانه : (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) بمعنى لأن يقولوا متعلق بيتركوا على أنه غير مستقر ، وقوله تعالى : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) في موضع الحال من ضمير يتركوا ، ويجوز أن لا يعتبر كون المفعول الثاني ليتركوا متروكا بل تجعل هذه الجملة الحالية سادة مسده ، ألا ترى أنك لو قلت : علمت ضربي زيدا قائما صح ، على أن ترك ليس كأفعال القلوب في جميع الأحكام ، بل القياس أن يجوز الاكتفاء فيه بالحال من غير نظر إلى أنه قائم مقام الثاني لأن قولك : تركته وهو جزر السباع كلام صحيح كما تقول أبقيته على هذه الحالة ، وهو نظير سمعته يتحدث في أنه يتم بالحال بعده أو الوصف ، وهاهنا زاد أنه يتم أيضا بما يجري مجرى الخبر ، وجوز أن تكون هذه الجملة هي المفعول الثاني لا سادة مسده وتوسط الواو بين المفعولين جائز كما في قوله :
وصيرني هواك وبي |
|
لحيني يضرب المثل |
وقد نص شارح أبيات المفصل على أنه حكي عن الأخفش أنه كان يجوز كان زيد وأبوه قائم على نقصان كان وجعل الجملة خبرا مع الواو تشبيها لخبر كان بالحال فمتى جاز في الخبر عنده فليجز في المفعول الثاني وهو كما نرى ، واستظهر الطيبي كون الترك هنا متعديا لواحد على أنه بمعنى التخلية وليس بذاك ؛ وجوز الحوفي وأبو البقاء أن يكون (أَنْ يَقُولُوا) بدلا من أن يتركوا وجوز أن يكون (أَنْ يُتْرَكُوا) هو المفعول الأول لحسب و (هُمْ لا يُفْتَنُونَ) في موضع الحال من الضمير (وَإِنْ يَقُولُوا) بتقدير اللام هو المفعول الثاني ، وكونه علة لا ينافي ذلك كما في قولك : حسبت ضربه للتأديب ، والتقدير أحسب الناس تركهم غير مفتونين لقولهم : آمنا ، والمفعول الثاني ليتركوا متروك بدلالة الحال ، واعترضه صاحب التقريب بما حاصله أن الحسبان لتعلقه بمضامين الجمل إذا أنكر يكون باعتبار المفعول الثاني فإذا قلت : أحسبته قائما فالمنكر حسبان قيامه وكذلك إذا قيل : أحسب الناس تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا أفاد إنكار حسبان أن الترك غير مفتونين لهذه العلة بل إنما هو لعلة أخرى ولا يلائم سبب النزول ولا مقصود الآية.
واختار أن يكون (أَنْ يُتْرَكُوا) سادا مسد المفعولين و (أَنْ يَقُولُوا) علة للحسبان أي أحسبوا لقولهم آمنا أن يتركوا غير مفتونين ، وأجيب بأن أصل الكلام ألا يفتنون لقولهم آمنا على إنكار أن يكون سببا لعدم الفتن ، ثم قيل : أيتركون غير مفتونين لقولهم آمنا مبالغة في إنكار أن يبقوا من غير فتن لذلك ثم أدخل على حسبان الترك مبالغة على مبالغة ، وإنما يرد ما أورد إذا لم يلاحظ أصل الكلام ويجعل مصب الإنكار الحسبان من أول الأمر.
وقيل : إنما يلزم ما ذكر لو لم يقدر أحسبوا تركهم غير مفتونين بمجرد قولهم : آمنا دون إخلاص وعمل صالح أما لو قدر ذلك استقام كما صرح به الزجاج ، على أن ذلك مبني على اعتبار المفهوم ، واعترض ذلك بعضهم من حيث اللفظ بأن فيه الفصل بين الحال وذيها بثاني مفعولي حسب وهو أجنبي ؛ وأجيب بأن الفصل غير ممتنع بل الأحسن أن لا يقع فصل إلا إذا اعترض ما يوجبه ، وهاهنا الاهتمام بشأن الخبر حسن التقديم لأن مصب الإنكار ذلك ، ولا يخفى أنه يحتاج إلى مثل هذا الجواب على ما يقتضيه الظاهر من جعل (أَنْ يُتْرَكُوا) في تأويل مصدر وقع مفعولا أولا (وَإِنْ يَقُولُوا) في تأويل مصدر أيضا مجرور بلام مقدرة والجار والمجرور في موقع المفعول الثاني ، وأما على ما ذكره بعض المحققين من أنهما لم يجعلا كذلك وإنما جعل (أَنْ يَقُولُوا) معمولا ليتركوا بتقدير اللام وجعل (أَنْ يُتْرَكُوا)