على أن كلا منهما مستغرق (وَاعْبُدُوهُ) عزوجل وحده (وَاشْكُرُوا لَهُ) على نعمائه متوسلين إلى مطالبكم بعبادته مقيدين بشكره تعالى للعتيد ومستجلبين به للمزيد ، فالجملتان ناظرتان لما قبلهما ، وجوز أن يكونا ناظرتين لقوله تعالى : (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) كأنه قيل : استعدوا للقائه تعالى بالعبادة والشكر فإنه إليه ترجعون ، وجوز بعض المحققين أن تكون هذه الجملة تذييلا لجملة ما سبق مما حكي عن إبراهيم عليهالسلام أو لأوله ، والمعنى إليه تعالى لا إلى غيره سبحانه ترجعون بالموت ثم بالبعث فافعلوا ما أمرتكم به وما بينهما اعتراض لتقرير الشرية كما سمعت. وقرئ «ترجعون» بفتح التاء من رجع رجوعا (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) عطف على مقدر تقديره فإن تصدقوني فقد فزتم بسعادة الدارين وإن تكذبوا أي تكذبوني فيما أخبرتكم به من أنكم إليه تعالى ترجعون بالبعث (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) وهذا تعليل للجواب في الحقيقة ، والأصل فلا تضرونني بتكذيبكم فإنه قد كذب أمم قبلكم رسلهم وهم شيث وإدريس ونوح وهود وصالح عليهمالسلام فلم يضرهم تكذيبهم شيئا وإنما ضر أنفسهم حيث تسبب لما حل بهم من العذاب فكذا تكذيبكم إياي (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي التبليغ الذي لا يبقى معه شك وما عليه أن يصدقه قومه البتة وقد خرجت عن عهدة التبليغ بما لا مزيد عليه فلا يضرني تكذيبكم بعد ذلك أصلا.
وهذه الآية أعني (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) إلخ على ما ذكرنا من جملة قصة إبراهيم عليهالسلام وكذا ما بعد على ما قيل إلى قوله تعالى : (ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) [الأعراف : ٨٢ ، النمل : ٥٦ ، العنكبوت : ٢٤ ، ٢٩] وجوز أن يكون ذلك اعتراضا بذكر شأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقريش وهدم مذهبهم والوعيد على سوء صنيعهم توسط بين طرفي القصة من حيث إن مساقها لتسلية رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم والتنفيس عنه بأن أباه خليل الرحمن كان مبتلي بنحو ما ابتلي به من شرك القوم وتكذيبهم وتشبيه حاله فيهم بحال إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، قالوا : وفي (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) اعتراضية ، والخطاب منه تعالى أو من النبي صلى الله تعالى عليه وسلّم على معنى وقل لقريش (إِنْ تُكَذِّبُوا) إلخ.
وذهب بعض المحققين إلى أن قوله تعالى : (إِنْ تُكَذِّبُوا) إلخ من كلام إبراهيم عليهالسلام ، وقوله سبحانه : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) إلخ كلام مستأنف مسوق من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث مع وضوح دليله ، والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم الموجب لتقريرها ، والواو للعطف على مقدر أي ألم ينظروا ولم يعلموا كيفية خلق الله تعالى الخلق ابتداء من مادة ومن غير مادة أي قد علموا ذلك.
وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بخلاف عنه «ألم تروا» بتاء الخطاب ، وهو على ما قال هذا البعض لتشديد الإنكار وتأكيده ولا يحتاج عليه إلى تقدير قول ؛ ومن لم يجعل ذلك كلاما مستأنفا مسوقا من جهته تعالى للإنكار على تكذيبهم بالبعث قال : إن الخطاب على تقدير القول أي قال لهم رسلهم : «ألم تروا».
ووجه ذلك بأنه جعل ضمير (أَوَلَمْ يَرَوْا) على قراءة الغيبة لأمم في قوله تعالى : (أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) فيجعل في قراءة الخطاب له أيضا ليتحد معنى القراءتين ، وحينئذ يحتاج لتقدير القول ليحكي خطاب رسلهم معهم إذ لا مجال للخطاب بدونه.
وقيل : إن ذاك لأنه لا يجوز أن يكون الخطاب لمنكري الإعادة من أمة إبراهيم أو نبينا عليهما الصلاة والسلام وهم المخاطبون بقوله تعالى : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) لأن الاستفهام للإنكار أي قد رأوا فلا يلائم قوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا) إلخ لأن المخاطبين فيها هم المخاطبون أولا ، يعني إن كانت الرؤية علمية فالأمر بالسير والنظر لا يناسب لمن حصل