قائمة الکتاب
سورة الشعراء
الآيات : 23 ـ 74
٧٠سورة النمل
سورة القصص
سورة العنكبوت
الآيات : 1 ـ 24
٣٧
إعدادات
روح المعاني [ ج ١٠ ]
روح المعاني [ ج ١٠ ]
المؤلف :أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود الألوسي البغدادي
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار الكتب العلميّة
الصفحات :374
تحمیل
وقال بعضهم : إنه كان جاهلا بالله تعالى ومع ذلك لا يعتقد في نفسه أنه خالق السماوات والأرض وما فيهما بل كان دهريا نافيا للصانع سبحانه معتقدا وجوب الوجود بالذات للأفلاك وإن حركاتها أسباب لحصول الحوادث ويعتقد أن من ملك قطرا وتولى أمره لقوة طالعه استحق العبادة من أهله وكان ربا لهم ولهذا خصص ألوهيته وربوبيته ولم يعمهما حيث قال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] و (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ، وجوز أن يكون من الحلولية القائلين بحلول الرب سبحانه وتعالى في بعض الذوات ويكون معتقدا حلوله عزوجل فيه ولذلك سمى نفسه إلها ، وقيل : كان يدعي الألوهية لنفسه ولغيره وهو ما كان يعبده من دون الله عزوجل كما يدل عليه ظاهر قوله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) [الأعراف : ١٢٧] وهو وكذا ما قبله بعيد ، والذي يغلب على الظن ويقتضيه أكثر الظواهر أن اللعين كان يعرف الله عزوجل وأنه سبحانه هو خالق العالم إلا أنه غلبت عليه شقوته وغرته دولته فأظهر لقومه خلاف علمه فأذعن منهم له من كثر جهله ونزر عقله ، ولا يبعد أن يكون في الناس من يذعن بمثل هذه الخرافات ولا يعرف أنها مخالفة للبديهيات ، وقد نقل لي من أثق به أن رجلين من أهل نجد قبل ظهور أمر الوهابي فيما بينهم بينما هما في مزرعة لهما إذ مر بهما طائر طويل الرجلين لم يعهدا مثله في تلك الأرض فنزل بالقرب منهما فقال أحدهما للآخر : ما هذا؟ فقال له : لا ترفع صوتك هذا ربنا فقال له معتقدا صدق ذلك الهذيان : سبحانه ما أطول كراعيه وأعظم جناحيه ، وأما من له عقل منهم ولا يخفى عليه بطلان مثل ذلك فيحتمل أن يكون قد وافق ظاهرا لمزيد خوفه من فرعون أو مزيد رغبته بما عنده من الدنيا كما نشاهد كثيرا من العقلاء وفسقة العلماء وافقوا جبابرة الملوك في أباطيلهم العلمية والعملية حبا للدنيا الدنية أو خوفا مما يتوهمونه من البلية ، ويحتمل أن يكون قد اعتقد ذلك حقيقة بضرب من التوجيه وإن كان فاسدا كزعم الحلول ونحوه ، والمنكر على القائل أنا الحق والقائل ما في الجبة إلا الله يزعم أن معتقدي صدقهما كمعتقدي صدق فرعون في قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] وسؤال اللعين لموسى عليهالسلام حكاية لما وقع في عبارته بقوله : (ما رَبُّ الْعالَمِينَ) كان لإنكاره لظاهر أن يكون للعالمين رب سواه ، وجواب موسى عليهالسلام له لم يكن إلا لإبطال ما يدعيه ظاهرا وإرشاد قومه إلى ما هو الحق الحقيق بالقبول ولذا لم يقصر الخطاب في الأجوبة عليه ، والتعجيب المفهوم من قوله : (أَلا تَسْتَمِعُونَ) لزعمه ظاهرا أنه عليهالسلام ادعى خلاف أمر محقق وهي ربوبية نفسه ، ولما داخله من خوف إذعان قومه لما قاله موسى عليهالسلام ما داخله بالغ في صرفهم عن قبول الحق بقوله : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ولما رأى أن ذلك لم يفد في دفع موسى عليهالسلام عن إظهار الحق وإبطال ما كان يظهره من الباطل ذب عن دعواه الباطلة بالتهديد وتشديد الوعيد فقال : (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ولعل أجوبته عليهالسلام مشيرة إلى إبطال اعتقاد نحو الحلول بأن فيه الترجيح بلا مرجح وبأنه يستلزم المربوبية لما فيه من التغير ، وبعد هذا القول عندي قول بعضهم : إنه عليه اللعنة كان دهريا إلى آخر ما سمعته آنفا ، والتعجيب لزعمه حقيقة أنه عليهالسلام ادعى خلاف أمر محقق وهو ربوبية نفسه عليه اللعنة والله تعالى أعلم ، ولما رأى عليهالسلام فظاظة فرعون (قالَ) على جهة التلطف به والطمع في إيمانه (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) أي تفعل ذلك ولو جئتك بشيء مبين أي موضح لصدق دعواي يريد به المعجزة فإنها جامعة بين الدلالة على وجود الصانع وحكمته وبين الدلالة على صدق دعوى من ظهرت على يده ، والتعبير عنها بشيء للتهويل ، والواو للعطف على جملة مقابلة للجملة المذكورة ، ومجموع الجملتين المتعاطفتين في موضع الحال ، و (لَوْ) للبيان تحقيق ما يفيده الكلام السابق من الحكم على كل حال مفروض من الأحوال المقارنة له على الإجمال بإدخالها على أبعدها منه وأشدها منافاة له ليظهر تحققه مع ما عداه من الأحوال بطريق الأولوية أي أتفعل في ذلك حال عدم مجيئي بشيء مبين وحال مجيئي به ، وتصدير المجيء بلو دون إن ليس لبيان استبعاده في نفسه بل بالنسبة إلى فرعون ، وجعل بعضهم