وشعورهم لا أنه يأتيهم وهم قارّون آمنون لا يخطرونه بالبال كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الأمم بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون لما أن إتيان عذاب الآخرة وعذاب يوم بدر ليس من هذا القبيل قاله بعضهم ، وقال آخرون : إتيانه كذلك من حيث إنه غير متوقع لهم وإتيان عذاب الآخرة ونحو كذلك لإنكارهم البعث ، وكذا عذاب القبر أو اعتقادهم شفاعة آلهتهم لهم في دفع العذاب عنهم ، وكذا إتيان عذاب يوم بدر لأنهم لغرورهم كانوا لا يتوقعون غلبة المسلمين ولا تخطر لهم ببال على ما بين في السير.
(يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) استئناف مسوق لغاية تجهيلهم وركاكة رأيهم وهو ظاهر في أن ما استعجلوه عذاب الآخرة ، وجملة (إِنَّ جَهَنَّمَ) إلخ في موضع الحال أي يستعجلونك بالعذاب والحال أن محل العذاب الذي لا عذاب فوقه محيط بهم كأنه قيل : يستعجلونك بالعذاب وأن العذاب لمحيط بهم أي سيحيط بهم على إرادة المستقبل من اسم الفاعل ، أو كالمحيط بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي الموجبة إياه بهم على أن في الكلام تشبيها بليغا أو استعارة أو مجازا مرسلا أو تجوزا في الإسناد ، وقيل : إن الكفر والمعاصي هي النار في الحقيقة لكنها ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة ، والمراد بالكافرين المستعجلون ، ووضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بعلة الحكم أو جنس الكفرة وهم داخلون فيه دخولا أوليا (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) ظرف لمضمر قد طوي ذكره إيذانا بغاية كثرته وفظاعته كأنه قيل : يوم يأتيهم ويجللهم العذاب الذي أشير إليه بإحاطة جهنم بهم يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي به المقال ، وقيل : ظرف لمحيطة على معنى وإن جهنم ستحيط بالكافرين يوم يغشاهم العذاب (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) أي من جميع جهاتهم فما ذكر للتعميم كما في الغدو والآصال ، قيل : وذكر الأرجل للدلالة على أنهم لا يقرون ولا يجلسون وذلك أشد العذاب (وَيَقُولُ) أي الله عزوجل ، وقيل : الملك الموكل بهم.
وقرأ ابن كثير وابن عامر والبصريون «ونقول» بنون العظمة وهو ظاهر في أن القائل هو الله تعالى.
وقرأ أبو البرهسم «وتقول» بالتاء على أن القائل جهنم ، ونسب القول إليها هنا كما نسب في قوله تعالى : (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠] وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة «ويقال» مبنيا للمفعول (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من السيئات التي من جملتها الاستعجال بالعذاب.
(يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) نزلت على ما روي عن مقاتل والكلبي في المستضعفين من المؤمنين بمكة أمروا بالهجرة عنها وعلى هذا أكثر المفسرين ، وعمم بعضهم الحكم في كل من لا يتمكن من إقامة أمور الدين كما ينبغي في أرض لممانعة من جهة الكفرة أو غيرهم فقال : تلزمه الهجرة إلى أرض يتمكن فيها من ذلك ، وروي هذا عن ابن جبير وعطاء ومجاهد. ومالك بن أنس ، وقال مطرف بن الشخير : إن الآية عدة منه تعالى بسعة الرزق في جميع الأرض ، وعلى القولين فالمراد بالأرض الأرض المعروفة ، وعن الجبائي أن الآية عدة منه عزوجل بإدخال الجنة لمن أخلص له سبحانه العبادة وفسر الأرض بأرض الجنة ، والمعول عليه ما تقدم ، والفاء في (فَإِيَّايَ) فاء التسبب عن قوله تعالى : (إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ) كما تقول : إن زيدا أخوك فأكرمه وكذلك لو قلت : إنه أخوك فإن أمكنك فأكرمه ، و(إياي) معمول لفعل محذوف يفسره المذكور ، ولا يجوز أن يكون معمولا له لاشتغاله بضميره وذلك المحذوف جزاء لشرط حذف وعوض عنه هذا المعمول ، والفاء في (فَاعْبُدُونِ) هي الفاء الواقعة في الجزاء إلا أنه لما وجب حذفه جعل المفسر المؤكد له قائما مقامه لفظا وأدخل الفاء عليه إذ لا بد منها للدلالة على الجزاء ، ولا تدخل على معمول المحذوف أعني إياي وإن فرض خلوه عن فاء لتمحضه عوضا عن فعل الشرط فتعين الدخول على المفسر ؛ وأيضا ليطابق المذكور المحذوف من كل وجه ، ولزم أن يقدر الفعل المحذوف