وتعقب بأنه يأباه مقام تذكير ميثاق النبيين (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) قيل عطف على فعل مضمر متعلقا فيما قيل : وقيل : على مقدر دلّ عليه (لِيَسْئَلَ) كأنه قيل فأثاب المؤمنين وأعد للكافرين إلخ ، وقيل : على (أَخَذْنا) وهو عطف معنوي كأنه قيل : أكد الله تعالى على النبيين الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد للكافرين إلخ.
وقيل : على (يسأل) بتأويله بالمضارع ولا بد من ملاحظة مناسبة ليحسن العطف ؛ وقيل : على مقدر وفي الكلام الاحتباك والتقدير ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد لهم ثوابا عظيما ويسأل الكاذبين عن كذبهم وأعد لهم عذابا أليما فحذف من كل منهما ما ثبت في الآخر ، وقيل : إن الجملة حال من ضمير (يسأل) بتقدير قد أو بدونه ، ولا يخفى أقلها تكلفا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) شروع في ذكر قصة الأحزاب وهي وقعة الخندق ، وكانت على ما قال ابن إسحاق في شوال سنة خمس ، وقال مالك : سنة أربع.
والنعمة إن كانت مصدرا بمعنى الإنعام فالجار متعلق بها وإلّا فهو متعلق بمحذوف وقع حالا منها أي كائنة عليكم ، وقوله تعالى : (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) ظرف لنفس النعمة أو لثبوتها لهم ، وقيل : منصوب بأذكر على أنه بدل اشتمال من (نِعْمَةَ) والمراد بالجنود الأحزاب ، وهم قريش يقودهم أبو سفيان ، وبنو أسد يقودهم طليحة ، وغطفان يقودهم عيينة ، وبنو عامر يقودهم عامر بن الطفيل ، وبنو سليم يقودهم أبو الأعور السلمي ، وبنو النضير رؤساؤهم حيي ابن أخطب وأبناء أبي الحقيق ، وبنو قريظة سيدهم كعب بن أسد ، وكان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم عهد فنبذه بسعي حيي ، وكان مجموعهم عشرة آلاف في قول وخمسة عشر ألفا في آخر ، وقيل : زهاء اثني عشر ألفا فلما سمع رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بإقبالهم حفر خندقا قريبا من المدينة محيطا بها بإشارة سلمان الفارسي أعطى كل أربعين ذراعا لعشرة ، ثم خرج عليه الصلاة والسلام في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالذراري والنساء فدفعوا في الآطام ، واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن وبحم النفاق كما قص الله تعالى ، ومضى قريب من شهر على الفريقين لا حرب بينهم سوى الرمي بالنبل والحجارة من وراء الخندق إلّا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وكان يعد بألف فارس ، وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب ، وهبيرة بن أبي وهب ، ونوفل بن عبد الله قد ركبوا خيولهم وتيمموا من الخندق مكانا ضيقا فضربوا بخيولهم فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع فخرج علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه في نفر من المسلمين رضي الله تعالى عنهم حتى أخذ عليهم الثغرة التي اقتحموا منها فأقبلت الفرسان معهم وقتل علي كرم الله تعالى وجهه عمرا في قصة مشهورة فانهزمت خيله حتى اقتحمت من الخندق هاربة وقتل مع عمرو منبه بن عثمان بن عبد الدار. ونوفل بن عبد العزى ، وقيل : وجد نوفل في جوف الخندق فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ينزل بعضكم أقاتله فقتله الزبير بن العوام.
وذكر ابن إسحاق أن عليا كرم الله تعالى وجهه طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه فمات في الخندق وبعث المشركون إلى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يشترون جيفته بعشرة آلاف فقال النبي عليه الصلاة والسلام : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى ، ثم أنزل الله تعالى النصر وذلك قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) عطف على (جاءَتْكُمْ) مسوق لبيان النعمة إجمالا وسيأتي أن شاء الله تعالى بقيتها في آخر القصة.
(وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) وهم الملائكة عليهمالسلام وكانوا على ما قيل ألفا ، روي أن الله تعالى بعث عليهم صبا باردة في ليلة باردة فاخصرتهم وسفت التراب في وجوههم وأمر الملائكة عليهمالسلام فقلعت الأوتاد وقطعت الأطناب وأطفأت النيران وأكفأت القدور وماجت الخيل بعضها في بعض وقذف في قلوبهم الرعب وكبرت الملائكة