في جوانب عسكرهم فقال طليحة بن خويلد الأسدي : أما محمد صلىاللهعليهوسلم فقد بدأكم بالسحر فالنجاء النجاء فانهزموا ، وقال حذيفة رضي الله تعالى وقد ذهب ليأتي رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بخبر القوم. خرجت حتى إذا دنوت من عسكر القوم نظرت في ضوء نار لهم توقد وإذا رجل أدهم ضخم يقول بيده على النار ويمسح خاصرته ويقول : الرحيل الرحيل لا مقام لكم وإذا الرجل في عسكرهم ما يجاوز عسكرهم شبرا فو الله إني لأسمع صوت الحجارة في رحالهم وفرشهم والربح تضربهم ثم خرجت نحو النبي عليه الصلاة والسلام فلما صرت في نصف الطريق أو نحو ذلك إذا أنا بنحو عشرين فارسا متعممين فقالوا : أخبر صاحبك أن الله تعالى كفاه القوم.
وقرأ الحسن «وجنودا» بفتح الجيم ، وقرأ أبو عمرو في رواية ، وأبو بكر في رواية أيضا «لم يروها» بياء الغيبة (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من حفر الخندق وترتيب مبادئ الحرب أعلاه لكلمة الله تعالى ، وقيل : من التجائكم إليه تعالى ورجائكم من فضله عزوجل.
وقرأ أبو عمرو «يعملون» بياء الغيبة أي بما يعمله الكفار من التحرز والمحاربة وإغراء بعضهم بعضا عليها حرصا على إبطال حقكم ، وقيل : من الكفر والمعاصي (بَصِيراً) ولذلك فعل ما فعل من نصركم عليهم ، والجملة اعتراض مقرّر لما قبله (إِذْ جاؤُكُمْ) بدل من (إِذْ جاءَتْكُمْ) بدل كل من كل ، وقيل : هو متعلق بتعملون أو ببصيرا (مِنْ فَوْقِكُمْ) من أعلى الوادي من جهة المشرق والإضافة إليهم لأدنى ملابسة ، والجائي من ذلك بنو غطفان ، ومن تابعهم من أهل نجد ، وبنو قريظة ، وبنو النضير (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) من أسفل الوادي من قبل المغرب ، والجائي من ذلك قريش ومن شايعهم من الأحابيش ، وبني كنانة ، وأهل تهامة ، وقيل : الجائي من فوق بنو قريظة ، ومن أسفل قريش ، وأسد ، وغطفان ، وسليم ، وقيل : غير ذلك.
ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب كأنه قيل : إذ جاءوكم محيطين بكم كقوله تعالى : (يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [العنكبوت : ٥٥] (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) عطف على ما قبله داخل معه في حكم التذكير أي حين مالت الأبصار عن سننها وانحرفت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة.
وقال الفراء : أي حين مالت عن كل شيء فلم تلتفت إلّا إلى عدوها (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) أي خافت خوفا شديدا وفزعت فزعا عظيما لأنها تحركت عن موضعها وتوجهت إلى الحناجر لتخرج.
أخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه قال في الآية : إن القلوب لو تحركت وزالت خرجت نفسه ولكن إنما هو الفزع فالكلام على المبالغة ، وقيل : القلب عند الغضب يندفع وعند الخوف يجتمع فيتقلص بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يسد مخرج النفس فلا يقدر المرء أن يتنفس ويموت خوفا ، وقيل : إن الرئة تنتفخ من شدة الفزع والغضب والغم الشديد وإذا انتفخت ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة ، ومن ثم قيل للجبان : انتفخ سحره ، وإلى حمل الكلام على الحقيقة ذهب قتادة.
أخرج عنه عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم أنه قال في الآية : أي شخصت عن مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت ، وفي مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال : قلنا يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال : نعم اللهم استر عورتنا وآمن روعاتنا قال : فضرب الله تعالى وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله تعالى بالريح ، والخطاب في قوله تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) لمن يظهر الإيمان على الإطلاق ، والظنون جمع الظن وهو مصدر شامل للقليل والكثير ، وإنما جمع للدلالة على تعدد أنواعه ، وقد جاء كذلك في أشعارهم أنشد أبو عمرو في كتاب الألحان :