اختارت الله تعالى ورسوله صلّى الله تعالى عليه وسلم يحرم على النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم نظرا إلى منصبه الشريف طلاقها والله تعالى أعلم.
(يا نِساءَ النَّبِيِ) تلوين للخطاب وتوجيه له إليهن لإظهار الاعتناء بنصحهن ونداؤهن هاهنا وفيما بعد بالإضافة اليه عليه الصلاة والسلام لأنها التي يدور عليها ما يرد عليهن من الأحكام ، واعتبار كونهن نساء في الموضعين أبلغ من اعتبار كونهن أزواجا كما لا يخفى على المتأمل (مَنْ يَأْتِ) بالياء التحتية حملا على لفظ (مَنْ) ، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ، والجحدري ، وعمرو بن قائد الأسواري ويعقوب بالتاء الفوقية حملا على معناها (مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) بكبيرة (مُبَيِّنَةٍ) ظاهرة القبح من بين بمعنى تبين ، وقرأ ابن كثير ، وأبو بكر مبينة بفتح الياء والمراد بها على ما قيل : كل ما يقترف من الكبائر ، وأخرج البيهقي في السنن عن مقاتل بن سليمان أنها العصيان للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : ذلك وطلبهن ما يشق عليه الصلاة والسلام أو ما يضيق به ذرعه ويغتم صلىاللهعليهوسلم لأجله.
ومنع في البحر أن يراد بها الزنا قال : لأن النبي صلىاللهعليهوسلم معصوم من ارتكاب نسائه ذلك ولأنه وصفت الفاحشة بالتبين والزنا مما يتستر به ومقتضاه منع إرادة الأعم ثم قال : وينبغي أن تحمل الفاحشة على عقوق الزوج وفساد عشرته ، ولا يخلو كلامه عن بحث والإمام فسرها به ، وجعل الشرطية من قبيل (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥] من حيث إن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر ولا يقع جزما فإن الأنبياء صان الله تعالى زوجاتهم عن ذلك ، وقد تقدم بعض الكلام في هذه المسألة في سورة النور وسيأتي إن شاء الله تعالى طرف مما يتعلق بهما أيضا (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ) يوم القيامة على ما روي عن مقاتل أو فيه ، وفي الدنيا على ما روي عن قتادة (ضِعْفَيْنِ) أي يعذبن ضعفي عذاب غيرهن أي مثليه فإن مكث غيرهن ممن أتى بفاحشة مبينة في النار يوما مثلا مكثن هن لو أتين بمثل ما أتى يومين. وإن وجب على غيرهن حد لفاحشة وجب عليهن لو أتين بمثلها حدان ، وقال أبو عمرو ، وأبو عبيدة فيما حكى الطبري عنهما الضعفان أن يجعل الواحدة ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود أو ثلاثة أمثال عذاب غيرهن ، وليس بذاك ، وسبب تضعيف العذاب أن الذنب منهن أقبح فإن زيادة قبحه تابعة لزيادة فضل المذنب والنعمة عليه وتلك ظاهرة فيهن ولذلك جعل حد الحر ضعف حد الرقيق وعوتب الأنبياء عليهمالسلام بما لا يعاتب به الأمم وكذا حال العالم بالنسبة الى الجاهل فليس من يعلم كمن لا يعلم ، وروي عن زين العابدين رضي الله تعالى عنه أنه قال له رجل : إنكم أهل بيت مغفور لكم فغضب وقال : نحن أحرى أن يجري فينا ما أجرى الله تعالى في أزواج النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم من أن نكون كما تقول إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ولمسيئنا ضعفين من العذاب وقرأ هذه الآية والتي تليها ، وقرأ الحسن ، وعيسى ، وأبو عمرو «يضعف» بالياء التحتية مبنيا للمفعول بلا ألف والجحدري ، وابن كثير ، وابن عامر «نضعف» بالنون مبنيا للفاعل بلا ألف أيضا وزيد بن علي ، وابن محيصن ، وخارجة عن أبي عمرو «نضاعف» بالنون والألف والبناء للفاعل وفرقة «يضاعف» بالياء والألف والبناء للفاعل ، وقرأ «العذاب» بالرفع من قرأ بالبناء للمفعول وبالنصب من قرأ للفاعل (وَكانَ ذلِكَ) أي تضعيف العذاب عليهن (عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي سهلا لا يمنعه جلّ شأنه عنه كونهن نساء النبي صلىاللهعليهوسلم بل هو سبب له.
تم بحمد الله الجزء الحادي والعشرون ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الثاني والعشرون وأوله (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَ).