تجوز في الكلام لأن الواقع أن المخاطبات متقيات فإما أن يكون المقصود الأولى المبالغة في النهي فيفسر بأن أردتن التقوى ، وإما أن يكون المقصود التهييج والإلهاب ، فيفسر بأن كنتن متقيات فليس في ذلك جمع بين الحقيقة والمجاز كما توهم ، وقد قرر ذلك في الكشف ، ومعنى لا تخضعن بالقول لا تجبن بقولكن خاضعا أي لينا خنثا على سنن كلام المريبات والمومسات ، وحاصله لا تلنّ الكلام ولا ترققنه ، وهذا على ما قيل في غير مخاطبة الزوج ونحوه كخاطبة الأجانب وإن كن محرمات عليهم على التأبيد.
روي عن بعض أمهات المؤمنين أنها كانت تضع يدها على فمها إذا كلمت أجنبيا تغير صوتها بذلك خوفا من أن يسمع رخيما لينا ، وعد إغلاظ القول لغير الزوج من جملة محاسن خصال النساء جاهلية وإسلاما ، كما عد منها بخلهن بالمال وجبنهن ، وما وقع في الشعر من مدح العشيقة برخامة الصوت وحسن الحديث ولين الكلام فمن باب السفه كما لا يخفى. وعن الحسن أن المعنى لا تكلمن بالرفث ، وهو كما ترى (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) أي فجور وزنا ، وبذلك فسره ابن عباس وأنشد قول الأعشى :
حافظ للفرج راض بالتقى |
|
ليس ممن قلبه فيه مرض |
والمراد نية أو شهوة فجور وزنا ، وعن قتادة تفسيره بالنفاق ، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما ، أنه قال : المرض مرضان فمرض زنا ومرض نفاق ، ونصب (يطمع) في جواب النهي وقرأ أبان ابن عثمان وابن هرمز «فيطمع» بالجزم وكسر العين لالتقاء الساكنين وهو عطف على محل فعل النهي على أنه نهي لمريض القلب عن الطمع عقيب نهيهن عن الخضوع بالقول كأنه قيل : فلا تخضعن بالقول فلا يطمع الذي في قلبه مرض ، وقال أبو عمرو الداني : قرأ الأعرج وعيسى «فيطمع» بفتح الياء وكسر الميم ، ونقلها ابن خالويه عن أبي السمال قال : وقد روي ذلك عن ابن محيصن ، وذكر أن الأعرج وهو ابن هرمز قرأ «فيطمع» بضم الياء وفتح العين وكسر الميم أي فيطمع هو أي الخضوع بالقول. و (الَّذِي) مفعول أو الذي فاعل والمفعول محذوف أي فيطمع الذي في قلبه مرض نفسه (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) حسنا بعيدا عن الريبة غير مطمع لأحد ، وقال الكلبي : أي صحيحا بلا هجر ولا تمريض ، وقال الضحّاك : عنيفا ، وقيل أي قولا أذن لكم فيه ، وقيل : ذكر الله تعالى وما يحتاج إليه من الكلام (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) من قر يقر من باب علم أصله اقررن فحذفت الراء الأولى وألقيت فتحتها على ما قبلها وحذفت الهمزة للاستغناء عنها بتحرك القاف. وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان وجها آخر قال : قار يقار إذا اجتمع ومنه القارة لاجتماعها ، ألا ترى إلى قول عضل والديش : اجتمعوا فكونوا قارة فالمعنى واجمعن أنفسكن في البيوت.
وقرأ الأكثر (وَقَرْنَ) بكسر القاف من وقر يقر وقارا إذا سكن وثبت ، وأصله أو قرن ففعل به ما فعل بعدن من وعد أو من قر يقر المضاعف من باب ضرب وأصله اقررن حذفت الراء الأولى وألقيت كسرتها إلى القاف وحذفت الهمزة للاستغناء عنها. وقال مكي وأبو علي : أبدلت الراء التي هي عين الفعل ياء كراهة التضعيف ثم نقلت حركتها إلى القاف ثم حذفت لسكونها وسكون الراء بعدها وسقطت الهمزة لتحرك القاف وهذا غاية في التمحل ، وفي البحر ان قررت وقررت بالفتح والكسر كلاهما من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه وقد حكى ذلك أبو عبيدة والزجاج وغيرهما ، وأنكر قوم منهم المازني مجيء قررت في المكان بالكسر أقر بالفتح وإنما جاء قرت عينه تقر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع والمثبت مقدم على النافي.
وقرأ ابن أبي عبلة «واقررن» بألف الوصل وكسر الراء الأولى والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت وهو أمر مطلوب من سائر النساء. أخرج الترمذي والبزار عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن