عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت : ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) إلخ.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : دخل نساء على نساء النبي صلىاللهعليهوسلم فقلن : قد ذكركن الله تعالى في القرآن وما يذكرنا بشيء أما فينا ما يذكر فأنزل الله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) الآية ، وفي رواية أخرى عنه أنه قال لما ذكر أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم قال النساء : لو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله تعالى الآية.
ولا مانع أن يكون كل ذلك ، وعطف الإناث على الذكور كالمسلمات على المسلمين والمؤمنات على المؤمنين ضروري لأن تغاير الذوات المشتركة في الحكم يستلزم العطف ما لم يقصد السرد على طريق التعديد ، وعطف الزوجين أعني مجموع كل مذكر ومؤنث كعطف مجموع المؤمنين والمؤمنات على مجموع المسلمين والمسلمات غير لازم وإنما ارتكب هاهنا للدلالة على أن مدار إعداد ما أعد لهم جمعهم بين هذه النعوت الجميلة.
وذكر الفروج متعلقا للحفظ لكونها مركب الشهوة الغالبة وذكر الاسم الجليل متعلقا للذكر لأنه الاسم الأعظم المشعر بجميع الصفات الجليلة ، وحذف متعلق كل من الحافظات والذاكرات لدلالة ما تقدم عليه ، وجعل الذكر آخر الصفات لعمومه وشرفه (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت : ٤٥] وتذكير الضمير في (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) لتغليب الذكور على الإناث وإلا فالظاهر لهم ولهن ، ولله تعالى در التنزيل أشار في أول الآية وآخرها إلى أفضلية الذكور على الإناث (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ) أي ما صح وما استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين (إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) أي قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذكر الله تعالى لتعظيم أمره بالإشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام بمنزلة من الله تعالى بحيث تعد أوامره أوامر الله عزوجل أو للإشعار بأن ما يفعله صلىاللهعليهوسلم إنما يفعله بأمره لأنه لا ينطق عن الهوى فالنظم إما من قبيل (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) [الأنفال : ٤١] أو من قبيل (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) أي أن يختاروا من أمرهم ما شاءوا بل يجب عليهم أن يجعلوا رأيهم تبعا لرأيه عليه الصلاة والسلام واختيارهم تلوا لاختياره.
والخيرة مصدر من تخير كالطيرة مصدر من تطير ، ولم يجىء على ما قيل مصدر بهذه الزنة غيرهما ، وقيل : هي صفة مشبهة وفسرت بالمتخير ، و (مِنْ أَمْرِهِمْ) متعلق بها أو بمحذوف وقع حالا منها ، وجمع الضمير في (لَهُمْ) رعاية للمعنى لوقوع مؤمن ومؤمنة في سياق النفي والنكرة الواقعة في سياقه تعم ، وكان من حقه على ما في الكشاف توحيده كما تقول : ما جاءني من امرأة ولا رجل إلا كان من شأنه كذا : وتعقبه أبو حيان بأن هذا عطف بالواو والتوحيد في العطف بأو نحو من جاءك من شريف أو وضيع أكرمه فلا يجوز إفراد الضمير في ذاك إلا بتأويل الحذف. وجمعه في (أَمْرِهِمْ) مع أنه للرسول صلىاللهعليهوسلم أوله ولله عزوجل للتعظيم على ما قيل.
وقال بعض الأجلة : لم يظهر عندي امتناع أن يكون عائدا على ما عاد عليه الأول على أن يكون المعنى ناشئة من أمرهم أي دواعيهم السائقة إلى اختيار خلاف ما أمر الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم أو يكون المعنى الاختيار في شيء من أمرهم أي أمورهم التي يعنونها. ويرجح عوده على ما ذكر بعدم التفكيك ورد بأن ذاك قليل الجدوى ضرورة أن الخيرة ناشئة من دواعيهم أو واقعة في أمورهم وهو بين مستغن عن البيان بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه عليه الصلاة والسلام أو متجاوزين عن أمره لتأكيده وتقريره للنفي وهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأول ، والحق أنه لا مانع من ذلك على أن يكون المعنى ما كان للمؤمنين أن يكون لهم اختيار في شيء من أمورهم إذا قضى الله ورسوله لهم أمرا ، ولا نسلم أن ما عد مانعا مانع فتدبر.