وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً)(٤٩)
(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) رد لمنشإ خشيته صلىاللهعليهوسلم الناس المعاتب عليها بقوله تعالى : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) وهو قولهم : إن محمدا عليه الصلاة والسلام تزوج زوجة ابنه زيد بنفي كون زيد ابنه الذي يحرم نكاح زوجته عليه صلىاللهعليهوسلم على أبلغ وجه كما ستعرفه قريبا إن شاء الله تعالى ، والرجال جمع رجل بضم الجيم كما هو المشهور وسكونه وهو على ما في القاموس الذكر إذا احتلم وشب أو هو رجل ساعة يولد ، وفي بعض ظواهر الآيات والأخبار ما هو مؤيد للثاني نحو قوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [النساء : ٧] وقوله سبحانه : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) [النساء : ١٢] ونحو قوله عليه الصلاة والسلام : «فلأولى رجل ذكر» والبحث الذي ذكره بعض أجلة المتأخرين فيما ذكر من الأمثلة لا يدفع كون الظاهر منها ذلك عند المنصف ، وقد يذكر لتأييد الأول قوله تعالى : (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) [النساء : ٩٨] فإن الرجال فيه للبالغين ، وفيه بحث ، نعم ظاهر كلام الزمخشري وهو إمام له قدم راسخة في اللغة وغيرها من العلوم العربية يدل على أن الرجل هو الذكر البالغ ، وأيا ما كان فإضافة رجال إلى ضمير المخاطبين باعتبار الولاد فإن أريد بالرجال الذكور البالغون فالمعنى ما كان محمد أبا أحد من أبنائكم أيها الناس الذكور البالغين الذين ولدتموهم ، وإن أريد بهم الذكور مطلقا فالمعنى ما كان محمد أبا أحد من أبنائكم الذين ولدتموهم مطلقا كبارا كانوا أو صغارا.
والأب حقيقة لغوية في الوالد على ما يفهم من كلام كثير من اللغويين ، والمراد بالأبوة المنفية هنا الأبوة الحقيقة الشرعية التي يترتب عليها أحكام الأبوة الحقيقية اللغوية من الإرث ووجوب النفقة وحرمة المصاهرة سواء كانت بالولادة أو بالرضاع أو بتبني من يولد مثله لمثله وهو مجهول النسب فحيث نفي كونه صلّى الله تعالى عليه وسلم أبا أحد من رجالهم بأي طريق كانت الأبوة ، ومن المعلوم أن زيدا أحد من رجالهم تحقق نفي كونه عليه الصلاة والسلام أبا له مطلقا ، أما كونه صلّى الله تعالى عليه وسلم ليس أبا له بالولادة فمما لا نزاع فيه ولم يتوهم أحد خلافه ، ومثله كونه عليه الصلاة والسلام ليس أبا له بالرضاع ، وأما كونه صلّى الله تعالى عليه وسلم ليس أبا له بالتبني مع تحقق تبنيه عليه الصلاة والسلام فلأن الأبوة بالتبني التي نفيت إنما هي الأبوة الحقيقية الشرعية وما كان من التبني لا يستتبعها لتوقفها شرعا على شرائط ، منها كون المتبني مجهول النسب وذلك منتف في زيد فقد كان معروف النسب فيما بينهم ، وقد تقدم لك أنه ابن حارثة ، وتعميم نفي أبوته صلىاللهعليهوسلم لأحد من رجالهم بحيث شمل نفي الأبوة بالولادة الأبوة بالرضاع والأبوة بالتبني مع أنه لا كلام في انتفاء الأوليين وإنما الكلام في انتفاء الأخيرة فقط إذ هي التي يزعمها من يقول : تزوج محمد عليه الصلاة والسلام زوجة ابنه للمبالغة في نفي الأبوة بالتبني التي زعموا ترتب أحكام الأبوة الحقيقة عليها بنظم ما خفي في سلك ما لا خفاء فيه أصلا.
ولعل هذا هو السر في قوله سبحانه (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) دون ما كان محمد أبا أحد من الرجال أو ما كان محمد أبا أحد منكم ، ولعله لهذا أيضا صرح بنفي أبوته صلىاللهعليهوسلم لأحد من رجالهم ليعلم منه نفي بنوة أحد من رجالهم له عليه الصلاة والسلام ، ولم يعكس الحال بأن يصرح بنفي بنوة أحد من رجالهم له عليه الصلاة