السّلام قد أوتي فوق ما أوتي مجتهدو الأمم مما يتوقف عليه الاجتهاد بكثير إذ قد ذهب معظم أهل العلم إلى أنه حين ينزل يصلي وراء المهدي رضي الله تعالى عنه صلاة الفجر وذلك الوقت يضيق عن استنباط ما تضمنته تلك الصلاة من الأقوال والأفعال من الكتاب والسنّة على الوجه المعروف.
نعم لا يبعد أن يكون عليهالسلام قد علم في السماء بعضا ووكل إلى الاجتهاد والأخذ من الكتاب والسنّة في بعض آخر ، وقيل : إنه عليهالسلام يأخذ الأحكام من نبينا صلىاللهعليهوسلم شفاها بعد نزوله وهو في قبره الشريف عليه الصلاة والسّلام ، وأيد بحديث أبي يعلى «والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم ثم لئن قام على قبري وقال يا محمد لأجيبنه».
وجوز أن يكون ذلك بالاجتماع معه عليه الصلاة والسّلام روحانية ولا بدع في ذلك فقد وقعت رؤيته صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته لغير واحد من الكاملين من هذه الأمة والأخذ منه يقظة ، قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في طبقات الأولياء : قال الشيخ عبد القادر الكيلاني قدسسره : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل الظهر فقال لي : يا بني لم لا تتكلم؟ قلت : يا أبتاه أنا رجل أعجم كيف أتكلم على فصحاء بغداد فقال : افتح فاك ففتحته فتفل فيه سبعا وقال : تكلم على الناس وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فصليت الظهر وجلست وحضرني خلق كثير فأرتج عليّ فرأيت عليا كرّم الله تعالى وجهه قائما بإزائي في المجلس فقال لي : يا بني لم لا تتكلم؟ قلت : يا أبتاه قد أرتج علي فقال : افتح فاك ففتحته فتفل فيه ستا فقلت : لم لا تكملها سبعا قال : أدبا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم توارى عني فقلت : غواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف فيستخرجها إلى ساحل الصدر فينادي عليها سمسار ترجمان اللسان فتشتري بنفائس أثمان حسن الطاعة في بيوت إذن الله أن ترفع ، وقال أيضا في ترجمة الشيخ خليفة بن موسى النهر ملكي : كان كثير الرؤية لرسول الله عليه الصلاة والسّلام يقظة ومناما فكان يقال : إن أكثر أفعاله يتلقاه منه صلىاللهعليهوسلم يقظة ومناما ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في إحداهن : يا خليفة لا تضجر مني فكثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي ، وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن : قال رجل للشيخ أبي العباس المرسي يا سيدي صافحني بكفك هذه فإنك لقيت رجالا وبلادا فقال : والله ما صافحت بكفي هذه إلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : وقال الشيخ لو حجب عني رسول الله صلىاللهعليهوسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين ، ومثل هذه النقول كثير من كتب القوم جدا.
وفي تنوير الحلك لجلال الدين السيوطي الذي رد به على منكري رؤيته صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته في اليقظة طرف معتد به من ذلك ، وبدأ في الاستدلال على ذلك بما
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي» وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة ، وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة.
وللمنكرين اختلاف في تأويله فقيل : المراد فسيراني في القيامة فهناك اليقظة الكاملة كما يشير إليه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. وتعقب بأنه لا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم في المنام ومن لم يره ، وقيل : المراد الرؤية على وجه خاص من القرب والحظوة منه صلىاللهعليهوسلم يوم القيامة أو حصول الشفاعة له أو نحو ذلك ، ولا يرد عليه ما ذكر ، وقيل : المراد بمن من آمن به لي حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون الخبر مبشرا له بأنه لا بدّ أن يراه في اليقظة يعني بعيني رأسه ، وقيل : بعين قلبه حكاهما القاضي أبو بكر بن العربي ، وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها من صحيح البخاري : هذا الحديث يدل على أن من يراه صلىاللهعليهوسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسّلام أو هذا كان في حياته وهل