(وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) فهن أفضل من غيرهن ، والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كأسلمت مع سليمان ، قال أبو حيان : يقال دخل فلان معي وخرج معي أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان ، ولو قلت : خرجنا معا اقتضى المعنيين الاشتراك في الفعل والاقتران في الزمان وهو كلام حسن ، وحكى الماوردي قولا بأن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق وهو ضعيف جدا. وقولا آخر بأنها شرط في إحلال قراباته عليه الصلاة والسلام المذكورات واستدل له بما أخرجه ابن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب قالت : «خطبني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاعتذرت إليه فعذرني فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله سبحانه : (هاجَرْنَ مَعَكَ) قالت فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء» وأجيب بأن عدم الحل لفقد الهجرة إنما فهم من قول أم هانئ فلعلها إنما قالت ذلك حسب فهمها إياه من الآية وهو لا ينتهض حجة علينا إلا إذا جاءت به رواية عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لا يقال : إنه أخرج ابن سعد عن أبي صالح مولى أم هانئ قال : «خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أم هانئ بنت أبي طالب فقالت : يا رسول الله إني مؤتمة وبني صغار فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه عليه الصلاة والسلام فقال : أما الآن فلا إن الله تعالى أنزل علي (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) ـ إلى ـ (اللَّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ) ولم تكن من المهاجرات وهو يدل على أنه نفسه صلىاللهعليهوسلم فهم الحرمة وإلا لتزوجها لأنا نقول بعد تسليم صحة الخبر : لا نسلم أنه صلىاللهعليهوسلم فهم الحرمة وعدم التزوج يجوز أن يكون لكونه خلاف الأفضل ، ويدل خبر أم هانئ على أن هذه الآية نزلت بعد الفتح فلا تغفل. وادعى بعضهم أن تحريم نكاح غير المهاجرة عليه صلىاللهعليهوسلم كان أولا ثم نسخ ، وعن قتادة أن معنى (هاجَرْنَ مَعَكَ) أسلمن معك ، قيل : وعلى هذا لا يحرم عليه عليه الصلاة والسلام إلا الكافرات وهو في غاية البعد كما لا يخفى ، والظاهر أن المراد بأزواجك اللاتي آتيت مهورهن نساؤه صلىاللهعليهوسلم اللاتي كن في عصمته وقد آتاهن مهورهن كعائشة وحفصة وسودة وبما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك نحو ريحانة بناء على ما قاله محمد بن إسحاق أنه صلىاللهعليهوسلم لما فتح قريظة اصطفاها لنفسه فكانت عنده حتى توفيت عنده وهي في ملكه ووافقه في ذلك غيره أخرج الواقدي بسنده إلى أيوب بن بشير قال : إنه عليه الصلاة والسلام أرسل بها إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر فكانت عندها حتى حاضت حيضة ثم طهرت من حيضها فجاءت أم المنذر فأخبرته صلىاللهعليهوسلم فجاءها في منزل أم المنذر فقال لها : إن أحببت أن أعتقتك وأتزوجك فعلت وإن أحببت أن تكوني في ملكي أطؤك بالملك فعلت فقالت : يا رسول الله أحب أن أخف عليك وأن أكون في ملكك فكانت في ملك رسول الله صلىاللهعليهوسلم يطؤها حتى ماتت. وذهب بعضهم إلى أنه عليه الصلاة والسلام أعتقها وتزوجها ، وأخرج ذلك الواقدي أيضا عن ابن أبي ذئب عن الزهري ثم قال : وهذا الحديث أثبت عندنا : وروي عنها أنها قالت : لما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فكنت فيمن عرض عليه فأمر بي عزلت وكان له صفي كل غنيمة فلما عزلت خار الله تعالى لي فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياما حتى قتل الأسرى وفرق السبي فدخل علي صلىاللهعليهوسلم فتجنبت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه فقال : إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله لنفسه فقلت : إني اختار الله تعالى ورسوله فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ذهبا كما كان يصدق نساءه وأعرس بي في بيت أم المنذر وكان يقسم لي كما يقسم لنسائه وضرب علي الحجاب ، ولم يذكر ابن الأثير غير القول بإعتاقها وتزوجها ومنهم من ذهب إلى أنها أسلمت فأعتقها عليه الصلاة والسلام فلحقت بأهلها وكانت تحتجب عندهم وتقول : لا يراني أحد بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحكي لحوقها بأهلها عن الزهري وادعى بعضهم بقاءها حية بعده عليه الصلاة والسلام وأنها توفيت سنة ست عشرة أيام خلافة عمر رضي الله تعالى عنه. وذكر ابن كمال في