وغيرهم عن زياد قال : قلت لأبي بن كعب رضي الله تعالى عنه أرأيت لو أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام متن أما يحل له أن يتزوج قال : وما يمنعه من ذلك قلت : قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) فقال: إنما أحل له ضربا من النساء ووصف له صفة فقال سبحانه يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) إلخ ثم قال تبارك وتعالى لا يحل لك النساء من بعد هذه الصفة ، وعلى هذا القول قال الطيبي: يكون قوله سبحانه : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ) إلخ تأكيدا لما قبله من تحريم غير ما نص عليه من الأجناس الأربعة وكأن ضمير بهن للأجناس المذكورة في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) الآية والمعنى لا يحل لك أن تترك هذه الأجناس وتعدل عنها إلى أجناس غيرها ، وقال شيخ الإسلام أبو السعود عليه الرحمة بعد ما حكي القول المذكور يأباه قوله تعالى : (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَ) إلخ فإن معنى إحلال الأجناس المذكورة إحلال نكاحهن فيكون التبدل بهن إحلال نكاح غيرهن بدل إحلال نكاحهن وذلك إنما يتصور بالنسخ الذي هو ليس من الوظائف البشرية انتهى فتأمل ولا تغفل ، وقيل (وَلا أَنْ تَبَدَّلَ) من البدل الذي كان في الجاهلية كان يقول الرجل للرجل بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتي فينزل كل واحد منهما عن امرأته لآخر ، وروي نحوه عن ابن زيد وأنكر هذا القول الطبري وغيره في معنى الآية وقالوا ما فعلت العرب ذاك قط ، وما روي من حديث عيينة بن حصن أنه قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حين دخل عليه بغير استئذان وعنده عائشة : من هذه الحميراء؟ فقال : عائشة فقال عيينة : يا رسول الله إن شئت نزلت لك عن سيدة نساء العرب جمالا ونسبا فليس بتبديل ولا أراد ذلك وإنما احتقر عائشة رضي الله تعالى عنها لأنها كانت إذ ذاك صبية ، ومن مزيد لتأكيد الاستغراق فيشمل النهي تبدل الكل والبعض : وقوله تعالى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) في موضع الحال فاعل تبدل والتقدير مفروضا إعجابك بهن ، وحاصله ولا تبدل بهن من أزواج على كل حال ، وظاهر كلام بعضهم أنه لا يجوز أن يكون حالا من مفعوله أعني أزواجا وعلل ذلك بتوغله في التنكير وتعقب بأنه مخالف لكلام النحاة فإنهم جوزوا الحال من النكرة إذا وقعت منفية لأنها تستغرق حينئذ فيزول إبهامها كما صرح به الرضي.
وقيل إن التنكير مانع من الحالية هاهنا لأن الحال تقاس بالصفة والواو مانعة من الوصفية فتمنع من الحالية ومنع لزوم القياس مع أن الزمخشري وغيره جوزوا دخول الواو على الصفة لتأكيد لصوقها ، وقيل في عدم جواز ذلك إن ذا الحال إذا كان نكرة يجب تقديمها ولم تقدم هاهنا. وتعقب بأن ذلك غير مسلم في الجملة المقرونة بالواو لكونه بصورة العاطف. واستظهر صاحب الكشف الجواز وذكر أن المعنى في الحالين لا يتفاوت كثير تفاوت لأنه إذا تقيد الفعل لزم تقيد متعلقاته وإنما الاختلاف في الأصالة والتبعية ، وضمير حسنهن للأزواج والمراد بهن من يفرضن بدلا من أزواجه اللاتي في عصمته عليه الصلاة والسلام فتسميتهن أزواجا باعتبار ما يعرض مالا وهذا بناء على أن باء البدل في بهن داخلة على المتروك دون المأخوذ فلو اعتبرت داخلة على المأخوذ كان الضمير للنساء لا للأزواج ، وممن أعجبه صلىاللهعليهوسلم حسنهن على ما قيل أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة جعفر بن أبي طالب بعد وفاته رضي الله تعالى عنه ، وفي قوله سبحانه : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ) على ما نقل عن ابن عطية دليل على جواز أن ينظر الرجل إلى من يريد زواجها وفي الأخبار أدلة على ذلك وتفصيل الأقوال فيه في كتب الفروع. واختلف في أن الآية الدالة على عدم حل النساء له صلىاللهعليهوسلم هل هي محكمة أم لا. فعن أبي بن كعب وجماعة منهم الحسن وابن سيرين واختاره الطبري واستظهره أبو حيان أنها محكمة وعن علي كرّم الله تعالى وجهه وابن عباس وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما والضحاك عليه الرحمة أنها منسوخ وروي ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
أخرج أبو داود في ناسخه والترمذي وصححه والنسائي والحاكم وصححه أيضا وابن المنذر وغيرهم عنها