وجوههم فيها من جهة إلى جهة كاللحم يشوى في النار أو يطبخ في القدر فيدور به الغليان من جهة إلى جهة أو يوم تتغير وجوههم من حال إلى حال فتتوارد عليها الهيئات القبيحة من شدة الأهوال أو يوم يلقون في النار مقلوبين منكوسين ، وتخصيص الوجوه بالذكر لما أنها أكرم الأعضاء ففيه مزيد تفظيع للأمر وتهويل للخطب ، ويجوز أن تكون عبارة عن كل الجسد. وقرأ الحسن وعيسى وأبو جعفر الرواسي. «تقلب» بفتح التاء والأصل تتقلب فحذفت إحدى التاءين ، وقرأ ابن أبي عبلة بهما على الأصل ، وحكى ابن خالويه عن أبي حيوة أنه قرأ «تقلب وجوههم» بإسناد الفعل إلى ضمير العظمة ونصب «وجوههم» على المفعولية.
وقرأ عيسى الكوفة «تقلب وجوههم» بإسناد الفعل إلى ضمير السعير اتساعا ونصب الوجوه (يَقُولُونَ) استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية حالهم الفظيعة كأنه قيل : فما ذا يصنعون عند ذلك؟ فقيل : يقولون متحسرين على ما فاتهم (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) فلا نبتلي بهذا العذاب أو حال من ضمير (وُجُوهُهُمْ) أو من نفسها.
وجوز أن يكون هو الناصب ليوم (وَقالُوا) عطف على (يَقُولُونَ) والعدول إلى صيغة الماضي للإشعار بأن قولهم هذا ليس مستمرا كقولهم السابق بل هو ضرب اعتذار أرادوا به ضربا من التشفي بمضاعفة عذاب الذين أوردوهم هذا المورد الوخيم وألقوهم في ذلك العذاب الأليم وإن علموا عدم قبوله في حق خلاصهم بما هم فيه.
(رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا) أي ملوكنا وولاتنا الذين يتولون تدبير السواد الأعظم منا (وَكُبَراءَنا) أي رؤساءنا الذين أخذنا عنهم فنون الشر وكان هذا في مقابلة ما تمنوه من إطاعة الله تعالى وإطاعة الرسول فالسادة والكبراء متغايران ، والتعبير عنهما بعنوان السيادة والكبر لتقوية الاعتذار وإلا فهم في مقام التحقير والإهانة.
وقدموا في ذلك إطاعة السادة لما أنه كان لهم قوة البطش بهم لو لم يطيعوهم فكان ذلك أحق بالتقديم في مقام الاعتذار وطلب التشفي ، وقيل : باتحاد السادة والكبراء والعطف على حد العطف في قوله. وألفي قولها كذبا ومينا. والمراد بهم العلماء الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم ، وعن قتادة رؤساؤهم في الشر والشرك.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة والسلمي وابن عامر والعامة في الجامع بالبصرة ساداتنا على جمع الجمع وهو شاذ كبيوتات ، وفيه على ما قيل دلالة على الكثرة ، ثم إن كون سادة جمعا هو المشهور ، وقيل : اسم جمع فإن كان جمعا لسيد فهو شاذ أيضا فقد نصوا على شذوذ فعلة في جميع فعيل وإن كان جمعا لمفرد مقدر وهو سائد كان ككافر وكفرة لكنه شاذ أيضا لأن فاعلا لا يجمع على فعلة إلا في الصحيح (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) أي جعلونا ضالين عن الطريق الحق بما دعونا إليه وزينوه لنا من الأباطيل ، والألف للإطلاق كما في (وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا).
(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) أي عذابين يضاعف كل واحد منهما الآخر عذابا على ضلالهم في أنفسهم وعذابا على إضلالهم لنا (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) أي شديدا عظيما فإن الكبر يستعار للعظمة مثل (كَبُرَتْ كَلِمَةً) [الكهف : ٥] ويستفاد التعظيم من التنوين أيضا ، وقرأ الأكثر «كثيرا» بالثاء المثلثة أي كثير العدد ، وتصدير الدعاء بالنداء مكررا للمبالغة في الجؤار واستدعاء الإجابة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) قيل نزلت فيما كانت من أمر زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وتزوجه صلىاللهعليهوسلم بها وما سمع في ذلك من كلام آذاه عليه الصلاة والسلام (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) أي من قولهم أو الذي قالوه وأيا ما كان فالقول هنا بمعنى المقول ، والمراد به مدلوله الواقع في الخارج وبتبرئة الله تعالى إياه من ذلك إظهار براءته عليهالسلام منه وكذبهم فيما أسندوا إليه لأن المرتب على أذاهم ظهور براءته لا براءته لأنها مقدمة عليه ، واستعمال الفعل مجازا عن إظهاره ، والمقول بمعنى المضمون كثير شائع فالمعنى فأظهر الله تعالى براءته من الأمر المعيب الذي نسبوه إليه عليهالسلام.