بناء على العرف ، وأيّا ما كان فتنوينها هنا للتفخيم والمراد بها الجنة ، والحبر السرور يقال : حبره يحبره بالضم حبرا وحبرة وحبورا إذا سره سرورا تهلل له وجهه وظهر فيه أثره ، وفي المثل امتلأت بيوتهم حبرة فهم ينتظرون العبرة ، وحكى الكسائي حبرته أكرمته ونعمته ، وقيل : الحبرة كل نعمة حسنة والتحبير التحسين ، ويقال : فلان حسن الحبر والسبر بالفتح إذا كان جميلا حسن الهيئة ، واختلفت الأقوال في تفسيره هنا فأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ، وابن أبي حاتم عن الضحاك أنهما قالا : يحبرون يكرمون.
وأخرج جماعة عن مجاهد يحبرون ينعمون ، وقال أبو بكر بن عياش : يتوجهون على رءوسهم.
وقال ابن كيسان : يحلون ، وقال الأوزاعي ، ووكيع ، ويحيى بن أبي كثير : يسمعون الأغاني ، وأخرج عبد بن حميد عن الأخير أنه قال : قيل يا رسول الله ما الحبر؟ فقال عليه الصلاة والسلام : اللذة والسماع.
وذكر بعضهم أن الظاهر يسرون ولم يذكر ما يسرون به إيذانا بكثرة المسار وما جاء في الخبر فمن باب الاقتصار على البعض ، ولعل السائل كان يحب السماع فذكره صلى الله تعالى عليه وسلم له لذلك ، والتعبير بالمضارع للإيذان بتجدد السرور لهم ففي كل ساعة يأتيهم ما يسرون به من متجددات الملاذ وأنواعها المختلفة.
(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) التي من جملتها الآيات الناطقة بما فصل (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي وكذبوا بالبعث ، وصرح بذلك مع اندراجه في تكذيب الآيات للاعتناء به ، وقوله تعالى : (فَأُولئِكَ) إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة من الكفر والتكذيب بآياته تعالى وبلقاء الآخرة للإيذان بكمال تميزهم بذلك عن غيرهم وانتظامهم في سلك المشاهدات ، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإشعار ببعد منزلتهم في الشر أي فأولئك الموصوفون بما ذكر من القبائح (فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) على الدوام لا يغيبون عنه أبدا ، والظاهر أن الفسقة من أهل الإيمان غير داخلين في أحد الفريقين أما عدم دخولهم في الذين كفروا وكذبوا بالآيات والبعث فظاهر وأما عدم دخولهم في الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإما لأن ذلك لا يقال في العرف إلّا على المؤمنين المجتنبين المفسقات على ما قيل ، وإما لأن المؤمن الفاسق يصدق على المؤمن الذي لم يعمل شيئا من الصالحات أصلا فهم غير داخلين في ذلك باعتبار جميع الأفراد وحكمهم معلوم من آيات أخر فلا تغفل.
(فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) أثر ما بين حال فريقي المؤمنين العاملين بالصالحات والكافرين المكذبين بالآيات وما لهما من الثواب والعقاب أرشد سبحانه إلى ما ينجي من الثاني ويفضي إلى الأول من تنزيه الله عزوجل عن كل ما لا يليق بشأنه جلّ شأنه ومن حمده تعالى والثناء عليه ووصفه بما هو أهله من الصفات الجميلة والشئون الجليلة ، وتقديم الأول على الثاني لما أن التخلية متقدمة على التحلية مع أنه أول ما يدعي إليه الذين كفروا المذكورون قبل بلا فصل ، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، وظاهر كلامهم أن (سبحان) هنا منصوب بفعل أمر محذوف فكأنه قيل : إذا علمتم ذلك أو إذا صح واتضح حال الفريقين ، ومآلهما فسبحوا سبحان الله إلخ أي نزهوه تعالى تنزيهه اللائق به عزوجل في هذه الأوقات ، قال في الكشف : وفيه إشكال لأن سبحان الله لزم طريقة واحدة لا ينصبه فعل الأمر لأنه إنشاء من نوع آخر ، والجواب أن ذلك توضيح للمعنى وأن وقوعه جواب الشرط على منوال إن فعلت كذا فنعم ما فعلت فإنه إنشاء أيضا لكنه ناب مناب الخبر وأبلغ ، كذلك هو لإنشاء تنزيهه تعالى في الأوقات هربا من وبيل عقابه وطلبا لجزيل ثوابه ، والشرط والجواب مقول على ألسنة العباد انتهى ، وفي حواشي شيخ زاده أن الأمر بل الجملة الإنشائية مطلقا لا يصح تعليقها بالشرط لأن الإنشاء إيقاع المعنى بلفظ يقارنه ولو جاز تعليقه للزم تأخره عن زمان التلفظ وأنه غير جائز وإنما المعلق بالشرط هو الإخبار عن إنشاء التمني والترجي وإنشاء المدح والذم والاستفهام ونحوها فإذا قلت : إن فعلت كذا غفر الله تعالى لك