له ألف سراج ، وقيل العطف على ما سمعت وضمير (عَنْهُ) للغيب فلا إشكال إذ المعنى حينئذ لا يبعد عن غيبه شيء إلا ما كان في اللوح لبروزه من الغيب إلى الشهادة واطلاع الملأ الأعلى عليه. وتعقب بأن المعنى لا يساعده لأن الأمر الغيبي إذا برز إلى الشهادة لم يعزب عنه بل بقي في الغيب على ما كان عليه مع بروزه ، ومعناه أن كونه في اللوح المحفوظ كناية عن كونه من جملة معلوماته تعالى وهي إما مغيبة وإما ظاهرة وكل مغيب سيظهر وإلا كان معدوما لا مغيبا وظهوره وقت ظهوره لا يرفع كونه مغيبا فلا يكون استثناء متصلا ، ألا ترى أنك لو قلت علم الساعة مغيب عن الناس إلا علمهم بها حين تقوم ويشاهدونها لم يكن هذا الاستثناء متصلا كذا قيل فتأمل ولا تغفل.
وأنت تعلم أن هذا الوجه على فرض عدم ورود ما ذكر عليه ضعيف لأن الظاهر الذي يقتضيه قوله تعالى: (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) الآية رجوع الضمير إلى الله عزوجل.
والذي ذهب إليه أبو حيان أن الكتاب ليس هو اللوح وليس الكلام إلا كناية عن ضبط الشيء والتحفظ به وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ) بكسر الراءين.
وخرج علي أنه نوى مضاف إليه والتقدير ولا أصغره ولا أكبره ، و (مِنْ ذلِكَ) ليس متعلقا بأفعل بل هو تبيين لأنه لما حذف المضاف إليه أبهم لفظا فبين بقوله تعالى من ذلك أي أعني من ذلك ، ولا يخفى أنه توجيه شذوذ.
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) متعلق بقوله سبحانه : (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) على أنه علة له وبيان لمقتضى إتيانها فهو من تتمة المقسم عليه ، فحاصل الكلام أن الحكمة تقتضي إثباتها والعلم البالغ المحيط بالغيب وجميع الجزئيات جليها وخفيها حاصل والقدرة المقتضية لإيجاد العالم وما فيه وجعله نعمة على ما مر فقد تم المقتضى وارتفع المانع فليس في الآية اكتفاء في الرد بمجرد اليمين ، واستظهر في البحر تعلقه بلا يعزب.
وذهب إليه أبو البقاء وتعقب بأن علمه تعالى ليس لأجل الجزاء ، وقيل متعلق بمتعلق (فِي كِتابٍ) وهو كما ترى.
(أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما في حيز الصلة ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف أي أولئك الموصوفون بالإيمان وعمل الأعمال الصالحات (لَهُمْ) بسبب ذلك (مَغْفِرَةٌ) لما فرط منهم من بعض فرطات قلما يخلو عنها البشر (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) حسن لا تعب فيه ولا من عليه (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) بالقدح فيها وصيد الناس عن التصديق بها (مُعاجِزِينَ) أي مسابقين يحسبون أنهم يفوتوننا قاله قتادة ، وقال عكرمة : مراغمين ، وقال ابن زيد : مجاهدين في إبطالها.
وقرأ جمع «معجزين» مخففا ، وابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال مثقلا ، قال ابن الزبير : أي مثبطين عن الإيمان من أراده مدخلين عليه العجز في نشاطه ، وقيل معجزين قدرة الله عزوجل في زعمهم.
(أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر وفيه إشارة إلى بعد منزلتهم في الشر (لَهُمْ) بسبب ذلك (عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ) أي من سيئ العذاب وأشده ، ومن للبيان (أَلِيمٌ) بالرفع صفة (عَذابٌ) وقرأ أكثر السبعة بالجر على أنه صفة مؤكدة لرجز بناء على ما سمعت من معناه ، وجعله بعضهم صفة مؤسسة له بناء على أن الرجز كما روي عن قتادة مطلق العذاب وجوز جعله صفة (عَذابٌ) أيضا والجر للمجاورة ، والظاهر أن الموصول مبتدأ والخبر جملة (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ) وجوز أن يكون في محل نصب عطفا على الموصول قبله أي ويجزي الذين سعوا وجملة (أُولئِكَ لَهُمْ) إلخ التي بعده مستأنفة والتي قبله معترضة. وفي البحر يحتمل على تقدير العطف على الموصول أن تكون الجملتان