لاثنين ياء المتكلم والموصول و (شُرَكاءَ) حال من ضمير الموصول المحذوف أي ألحقتموهم متوهما شركتهم أو مفعول ثان لألحق لتضمينه معنى الجعل أو التسمية ، والمراد أرونيهم لأنظر بأي صفة ألحقتموهم بالله عزوجل الذي ليس كمثله شيء في استحقاق العبادة أو ألحقتموهم به سبحانه جاعليهم أو مسميهم شركاء ، والغرض إظهار خطئهم العظيم.
وقال بعض الأجلة : لم يرد من (أَرُونِيَ) حقيقته لأنه صلىاللهعليهوسلم كان يراهم ويعلمهم فهو مجاز وتمثيل ، والمعنى ما زعمتموه شريكا إذا برز للعيون وهو خشب وحجر تمت فضيحتكم ، وهذا كما تقول للرجل الخسيس الأصل اذكر لي أباك الذي قايست به فلانا الشريف ولا تريد حقيقة الذكر وإنما تريد تبكيته وأنه إن ذكر أباه افتضح.
(كَلَّا) ردع لهم عن زعم الشركة بعد ما كسره بالإبطال كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسّلام : (أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الأنبياء : ٦٧] بعد ما حج قومه (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) أي الموصوف بالغلبة القاهرة المستدعية لوجوب الوجود (الْحَكِيمُ) الموصوف بالحكمة الباهرة المستدعية للعلم المحيط بالأشياء ، وهؤلاء الملحقون عن الاتصاف بذلك في معزل وعن الحوم حول ما يقتضيه بألف ألف منزل ، والضمير أما عائد لما في الذهن وما بعده وهو الله الواقع خبرا له يفسره و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صفتان للاسم الجليل أو عائد لربنا في قوله سبحانه : «يفتح بيننا ربنا» على ما قيل أو هو ضمير الشأن و (اللهُ) مبتدأ و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبره والجملة خبر ضمير الشأن لأن خبره لا يكون إلا جملة على الصحيح (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) المتبادر أن (كَافَّةً) حال من الناس قدم مع إلا عليه للاهتمام كما قال ابن عطية ، وأصله من الكف بمعنى المنع وأريد به العموم لما فيه من المنع من الخروج واشتهر في ذلك حتى قطع النظر فيه عن معنى المنع بالكلية فمعنى جاء الناس كافة جاءوا جميعا ، ويشير إلى هذا الإعراب ما أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في الآية : أي إلى الناس جميعا ، وما أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنه قال : أي للناس كافة ، وكذا ما أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال في الآية : أرسل الله تعالى محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله تعالى أطوعهم له ، وما نقل عن ابن عباس أنه قال : أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم ، وهو مبني على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف وهو الذي ذهب إليه خلافا لكثير من النحاة أبو علي وابن كيسان وابن برهان والرضي وابن مالك حيث قال :
وسبق حال ما بحرف جر قد |
|
أبوا ولا أمنعه فقد ورد |
وأبو حيان حيث قال بعد أن نقل الجواز عمن عدا الرضى من المذكورين وهو الصحيح : ومن أمثلة أبي علي زيد خير ما يكون خير منك ، وقال الشاعر :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا |
|
فمطلبها كهلا عليه شديد |
وقال آخر :
تسليت طرا عنكم بعد بينكم |
|
بذكراكم حتى كأنكم عندي |
وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به ، ومن ذلك قوله :
مشغوفة بك قد شغفت وإنما |
|
حتم الفراق فما إليك سبيل |
وقول آخر :
غافلا تعرض المنية للمرء |
|
فيدعى ولات حين إباء |