أو مبتدأ خبره محذوف أي سبب كفرنا مكر الليل والنهار أو مكر الليل والنهار سبب كفرنا. وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بالتنوين ونصب الظرفين أي بل صدنا مكركم أو مكر عظيم في الليل والنهار.
وقرأ محمد بن جعفر وسعيد بن جبير وأبو رزين وابن يعمر أيضا «مكرّ الليل والنهار» بفتح الميم والكاف وتشديد الراء والرفع مع الإضافة أي بل صدنا كرور الليل والنهار واختلافهما ، وأرادوا على ما قيل الإحالة على طول الأمل والاغترار بالأيام مع هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله عزوجل.
وقرأ ابن جبير أيضا وراشد القاري وطلحة كذلك إلا أنهم نصبوا مكرا على الظرف أي بل صددتمونا مكر الليل والنهار أي في مكرهما أي دائما ، وجوز أن يكون مفعولا مطلقا أي تكرون الإغراء مكرا دائما لا تفترون عنه ، وجوز صاحب اللوامح كونه ظرفا لتأمروننا بعد. وتعقبه أبو حيان بأنه وهم لأن ما بعد إذ لا يعمل فيما قبلها ، وقوله تعالى : (إِذْ تَأْمُرُونَنا) بدل من الليل والنهار أو تعليل للمكر ، وجعله في الإرشاد ظرفا له أي بل مكركم الدائم وقت أمركم لنا (أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) على أن مكرهم إما نفس أمرهم بما ذكر وأما أمور آخر مقارنة لأمرهم داعية إلى الامتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك.
وجملة (قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) إلخ عطف على جملة (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) إلخ وإن تغايرتا مضيا واستقبالا.
ولما كان هذا القول رجوعا منهم إلى الكلام دون قول المستكبرين أنحن صددناكم فإنه ابتداء كلام وقع جوابا للاعتراض عليهم جيء بالعاطف هاهنا ولم يجىء به هناك على ما اختاره بعضهم ، وقيل : إن النكتة في ذلك أنه لما حكي قول المستضعفين بعد قوله تعالى (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) كان مظنة إن يقال : فما ذا قال الذين استكبروا للذين استضعفوا وهل كان بين الفريقين تراجع؟ فقيل : قال الذين استكبروا كذا ، وقال الذين استضعفوا كذا فأخرج مجموع القولين مخرج الجواب وعطف بعض الجواب على بعض فتدبر ، والأنداد جمع ند هو شائع فيمن يدعي أنه شريك مطلقا لكن ذكر الشيخ الأكبر قدسسره في تفسيره الجاري فيه على مسلك المفسرين إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن وبخطه الشريف النوراني رأيته أنه مخصوص بمن يدعي الألوهية كفرعون وأضرابه لأنه بذلك ند عن الله تعالى وشرد عن رحمته سبحانه وقال الشيخ : لأنه شرد عن العبودية له جل شأنه (وَأَسَرُّوا) أي أضمر الظالمون من الفريقين المستكبرين والمستضعفين (النَّدامَةَ) على ما كان منهم في الدنيا من الضلال والإضلال نظرا للمستكبرين ومن الضلال فقط نظرا للمستضعفين ، والقول بحصول ندامتهم على الإضلال أيضا باعتبار قبوله تكلف ، ولم يظهروا ما يدل عليها من المحاورة وغيرها (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) لأنهم بهتوا لما عاينوه فلم يقدروا على النطق واشتغلوا عن إظهارها بشغل شاغل ، وقيل : أخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير ، وتعقب بأنه كيف يتأتى هذا مع قول المستضعفين لرؤساهم لو لا أنتم لكنا مؤمنين وأي ندامة أشد من هذا ، وأيضا مخافة التعيير في ذلك المقام بعيدة ، وقيل : أسرّوا الندامة بمعنى أظهورها فإن أسر من الأضداد إذ الهمزة تصلح للإثبات وللسلب فمعنى أسره جعله سرا أو أزال سره ونظيره أشكيت ، وأنشد الزمخشري لنفسه :
شكوت إلى الأيام سوء صنيعها |
|
ومن عجب باك فشكا إلى المبكي |
فما زادت الأيام إلا شكاية |
|
وما زالت الأيام تشكى ولا تشكي |
وتعقب ابن عطية هذا القول بأنه لم يثبت قط في لغة إن أسر من الأضداد ، وأنت تعلم أن المثبت مقدم على النافي فلا تغفل (وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ) أي القيود (فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم المستكبرون والمستضعفون