أنه مبتدأ ما بعده خبره أو خبره مقدر أي لكن من آمن وعمل صالحا فإيمانه وعمله يقربانه.
واستظهر أبو حيان الانقطاع ، وقال في البحر : فإن الزجاج ذهب إلى بدليته من المفعول المذكور وغلطه النحاس بأن ضمير المخاطب لا يجوز الإبدال منه فلا يقال رأيتك زيدا ، ومذاهب الأخفش والكوفيين أنه يجوز أن يبدل من ضميري المخاطب والمتكلم لكن البدل في الآية لا يصح ألا ترى أنه لا يصح تفريغ الفعل الواقع صلة لما بعد إلا فلو قلت ما زيد بالذي يضرب إلا خالدا لم يصح ا ه.
وذكر بعض الأجلة أن جعله استثناء من المفعول لا يصح على جعل التي كناية عن التقوى لأنه يلزم أن تكون الأموال والأولاد تقوى في حق غير من آمن وعمل صالحا لكنها غير مقربة ، وقيل لا بأس بذلك إذ يصح أن يقال وما أموالكم ولا أولادكم بتقوى إلا المؤمنين ، وحاصله أن المال والولد لا يكونان تقوى ومقربين لأحد إلا للمؤمنين ، وإذا كان الاستثناء منقطعا صح واتضح ذلك ، وجوز أن يكون استثناء من (أَمْوالُكُمْ) و (أَوْلادُكُمْ) على حذف مضاف أي إلا أموال من آمن وعمل صالحا وأولادهم ، وفي هذا إذا جعل التي كناية عن التقوى مبالغة من حيث إنه جعل مال المؤمن الصالح وولده نفس التقوى. ثم إن تقريب الأموال المؤمن الصالح بإنفاقها فيما يرضي الله تعالى وتقريب الأولاد بتعليمهم الخير وتفقيههم في الدين وترشيحهم للصلاح والطاعة.
(فَأُولئِكَ) إشارة إلى من والجمع باعتبار معناها كما أن الأفراد فيما تقدم باعتبار لفظها ، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي فأولئك المنعوتون بالإيمان والعمل الصالح (لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ) أي لهم أن يجازيهم الله تعالى الضعف أي الثواب المضاعف فيجازيهم على الحسنة بعشر أمثالهم أو بأكثر إلى سبعمائة فإضافة جزاء إلى الضعف من إضافة المصدر إلى مفعوله. وقرأ قتادة «جزاء الضّعف» برفعهما فالضعف بدل ، وجوز الزجاج كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الضعف. ويعقوب في رواية بنصب «جزاء» ورفع «الضعف» فجزاء تمييز أو حال من فاعل (لَهُمْ) إن كان الضعف مبتدأ أو منه إن كان فاعلا أو نصب على المصدر لفعله الذي دل عليه (لَهُمْ) أي يجزون جزاء ، وقرئ «جزاء» بالرفع والتنوين «الضعف» بالنصب على أعمال المصدر (بِما عَمِلُوا) من الصالحات (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) أي في غرفات الجنة ومنازلها العالية (آمِنُونَ) من جميع المكاره الدنيوية والأخروية وقرأ الحسن وعاصم بخلاف عنه والأعمش ومحمد بن كعب (فِي الْغُرُفاتِ) بإسكان الراء ، وقرأ بعض القراء بفتحها ، وابن وثاب والأعمش وطلحة وحمزة وخلف «في الغرفة» بالتوحيد وإسكان الراء ، وابن وثاب أيضا بالتوحيد وضم الراء والتوحيد على إرادة الجنس لأن الكل ليسوا في غرفة واحدة والمفرد أخصر مع عدم اللبس فيه (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) بالرد والطعن فيها (مُعاجِزِينَ) أي بحسب زعمهم الباطل الله عزوجل أو الأنبياء عليهمالسلام ، وحاصله زاعمين سبقهم وعدم قدرة الله تعالى أو أنبيائه عليهمالسلام ، ومعنى المفاعلة غير مقصود هاهنا (أُولئِكَ) الذي بعدت منزلتهم في الشر (فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) لا يجديهم ما ولوا عليه نفعا ، وفي ذكر العذاب دون موضعه ما لا يخفى من المبالغة (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي يوسعه سبحانه عليه تارة ويضيقه عليه أخرى فلا تخشوا الفقر وأنفقوا في سبيل الله تعالى وتقربوا لديه عزوجل بأموالكم وتعرضوا لنفحاته جل وعلا فمساق الآية للوعظ والتزهيد في الدنيا والحض على التقرب إليه تعالى بالإنفاق وهذا بخلاف مساق نظيرها المتقدم فإنه للرد على الكفرة كما سمعت ، وأيضا ما سبق عام وما هنا خاص في البسط والتضييق لشخص واحد باعتبار وقتين كما يشعر به قوله تعالى هنا (لَهُ) وعدم قوله هناك ، والضمير وإن كان في موضع من المبهم إلا أن سبق النظير خاليا عن ذلك وذكر هذا بعد مشتملا عليه كالقرينة على إرادة ما ذكر فلا تغفل.