بذلك لرجوعها إلى مقرها ، وقيل : أي منقطعين إليه تعالى من الناب السن خلف الرباعية لما يكون بها من الانقطاع ما لا يكون بغيرها. وتعقب بأنه بعيد لأن الناب يأتي وهذا واوي ، وقد تقدم غير بعيد عدة أقوال في وجه نصبه ، وزاد عليها في البحر القول بكونه نصبا على الحال من (النَّاسَ) في قوله تعالى : (فَطَرَ النَّاسَ) وقدمه على سائر الأقوال وهو كما ترى ، وتقدم أيضا ما قيل في عطف قوله تعالى : (وَاتَّقُوهُ) أي من مخالفة أمره تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) المبدلين لفطرة الله سبحانه تبديلا ، والظاهر أن المراد بهم كل من أشرك بالله عزوجل ، والنهي متصل بالأوامر قبله ، وقيل : بأقيموا الصلاة ، والمعنى ولا تكونوا من المشركين بتركها وإليه ذهب محمد بن أسلم الطوسي وهو كما ترى ، وقوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) بدل من المشركين بإعادة الجار ، وتفريقهم لدينهم اختلافهم فيما يعبدونه على اختلاف أهوائهم ، وقيل : اختلافهم في اعتقاداتهم مع اتحاد معبودهم ، وفائدة الإبدال التحذير عن الانتماء إلى حزب من أحزاب المشركين ببيان أن الكل على الضلال المبين.
وقرأ حمزة ، والكسائي «فارقوا» أي تركوا دينهم الذي أمروا به أو الذي اقتضته فطرتهم (وَكانُوا شِيَعاً) أي فرقا تشايع كل فرقة أمامها الذي مهد لها دينها وقرره ووضع أصوله (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ) من الدين المعوج المؤسس على الرأي الزائغ والزعم الباطل (فَرِحُونَ) مسرورون ظنا منهم أنه حق ، والجملة قيل اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من تفريق دينهم وكونهم شيعا ، وقيل : في موضع نصب على أنها صفة (شِيَعاً) بتقدير العائد أي كل حزب منهم ، وزعم بعضهم كونها حالا. وجوز أن يكون (فَرِحُونَ) صفة لكل كقول الشماخ :
وكل خليل غير هاضم نفسه |
|
لوصل خليل صارم أو معارز |
والخبر هو الظرف المتقدم أعني قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) فيكون منقطعا عما قبله ، وضعف بأنه يوصف المضاف إليه في نحوه صرح به الشيخ ابن الحاجب في قوله :
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لعمر أبيك إلا الفرقدان |
وفي البحر أن وصف المضاف إليه في نحوه هو الأكثر وأنشد قوله :
جادت عليه كل عين ترة |
|
فتركن كل حديقة كالدرهم |
وما قيل : إنه إذا وصف به (كُلُ) دل على أن الفرح شامل للكل وهو أبلغ ليس بشيء بل العكس أبلغ لو تؤمل أدنى تأمل (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) أي شدة (دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) راجعين إليه تعالى من دعاء غيره عزوجل من الأصنام وغيرها (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً) خلاصا من تلك الشدة (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ) الذي كانوا دعوه منيبين إليه (يُشْرِكُونَ) أي فاجأ فريق منهم الإشراك وذلك بنسبة خلاصهم إلى غيره تعالى من صنم أو كوكب أو نحو ذلك من المخلوقات ؛ وتخصيص هذا الفعل ببعضهم لما أن بعضهم ليسوا كذلك ، وتنكير (ضُرٌّ) و (رَحْمَةً) للتعليل إشارة إلى أنهم لعدم صبرهم يجزعون لأدنى مصيبة ويطغون لأدنى نعمة ، و«ثم» للتراخي الرتبي أو الزماني (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) اللام فيه للعاقبة وكونها تقتضي المهلة ولذا سميت لام المآل والشرك والكفر متقاربان لا مهلة بينهما كما قيل لا وجه له ، وقيل : للأمر وهو للتهديد كما يقال عند الغضب اعصني ما استطعت وهو مناسب لقوله سبحانه : (فَتَمَتَّعُوا) فإنه أمر تهديدي ، واحتمال كونه ماضيا معطوفا على (يُشْرِكُونَ) لا يخفى حاله ، والفاء للسببية ، والتمتع التلذذ ، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال تمتعكم. وقرأ أبو العالية «فيمتعوا» بالياء التحتية مبنيا للمفعول وهو معطوف على (يكفروا) فسوف يعلمون بالياء التحتية أيضا ، وعن أبي العالية أيضا «فيتمتعوا» بياء تحتية قبل التاء وهو معطوف على (يكفروا) أيضا ، وعن ابن مسعود «وليتمتعوا» باللام والياء